قوله (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) أي الزنا وهي المرأة الثيب (مِنْ نِسائِكُمْ) مبتدأ ، خبره (فَاسْتَشْهِدُوا) أي اطلبوا للشهادة (١)(عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي من المسلمين الأحرار العدول (فَإِنْ شَهِدُوا) عليهن بالزنا (فَأَمْسِكُوهُنَّ) أي احبسوهن (فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) أي يقبضهن (٢) ملائكة الموت فيمتن في السجن (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) [١٥] أي طريقا يخرجن (٣) من الحبس وهو بأن تنكح فانه غنية عن السفاح أو بأن يظهر الحد بالوحي ، ثم صار حدهن الرجم بقوله عليهالسلام : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» (٤) ، والأكثر على (٥) أنه لا جلد على المحصن مع الرجم ، وقالوا : الجلد منسوخ ، فنسخ الحبس بالرجم (٦) ، لأنه كان في ابيداء الاسلام إذا زنت المرأة حبست حتى تموت ولم يكن الحد مشروعا (٧).
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦))
ثم ذكر حد البكرين فقال (وَالَّذانِ) أي الرجل والمرأة اللذان لم يحصنا ، بتخفيف النون وتشديدها (٨)(يَأْتِيانِها) أي الفاحشة (مِنْكُمْ) أي من المسلمين الأحرار (فَآذُوهُما) باللسان ، يعني سبوهما بتفسير ابن عباس رضي الله عنه (٩) ليندما على ما فعلا (فَإِنْ تابا) من الفاحشة (وَأَصْلَحا) العمل (١٠)(فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي لا تؤذوهما بعد التوبة (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً) أي قابلا للتوبة متجاوزا عن الذنوب (رَحِيماً) [١٦] لمن أطاع أمره ، ثم نسخ الإيذاء بالجلد لقوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)(١١) الآية (١٢).
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧))
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ) أي المتقبلة مبتدأ ، خبره (عَلَى اللهِ) أي واجب قبولها عليه (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ) أي المعصية (بِجَهالَةٍ) أي جاهلين ، حال من الضمير في الظرف ، قيل : «اجتمعت الصحابة إن كل ما عصى الله به فهو جهالة عمدا كان أو سهوا وكل من عصى الله تعالى فهو جاهل» (١٣) ، وقيل : الجهالة اختيار اللذة الفانية على اللذة الباقية (١٤)(ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) أي من زمان قريب ، يعني قبل مرض موته أو قبل معاينة ملك الموت ، و «من» للتبعيض ، قال عليهالسلام : «إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (١٥) ، أي ما لم يبلغ الروح الحلقوم (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) تأكيد (١٦) لقوله «إنما التوبة» ، أي يقبل توبتهم البتة وهو عدة من الله بأن يفي بما وجب عليه كرما ولطفا (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [١٧] أي عالما بأهل التوبة يحكم بقبولها بشرط الاستغفار بالقلب واللسان ، قال عليهالسلام : «إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في
__________________
(١) للشهادة ، ب س : الشهادة ، م.
(٢) أي يقبضهن ، ب س : أي يقبض ، م.
(٣) أي طريقا يخرجن ، ب : طريقا يخرجن ، س ، أي طريقا تخرجن ، م.
(٤) رواه مسلم ، الحدود ، ١٢ ؛ وأخرج أبو داود نحوه ، الحدود ، ٢٣ ؛ والترمذي ، الحدود ، ٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٣٩.
(٥) والأكثر علي ، ب م : والأكثر ، س.
(٦) الحبس بالرجم ، ب م : الحبس بالحد ، س.
(٧) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٢٨ ؛ وانظر أيضا قتادة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ، ٣٩ ؛ والنحاس ، ٩٦ ـ ١٠٠ ؛ وهبة الله ابن سلامة ، ٣٣ ؛ وابن الجوزي ، ٢٤.
(٨) «اللذان» : قرأ المكي بتشديد النون ، والباقون بالتخفيف مع القصر. البدور الزاهرة ، ٧٧.
(٩) انظر البغوي ، ٢ / ٢٩.
(١٠) العمل ، س م : أي العمل ، ب.
(١١) النور (٢٤) ، ٢.
(١٢) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٠ ؛ وانظر أيضا قتداة (كتاب الناسخ والمنسوخ) ، ٣٩ ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٣٣ ؛ وابن الجوزي ، ٢٤.
(١٣) عن قتادة ، انظر البغوي ، ٢ / ٣١.
(١٤) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ٣٢.
(١٥) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٢ / ١٣٢ ؛ والترمذي ، الدعوات ، ٩٩ ؛ وابن ماجة ، الزهد ، ٣٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٤٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٢ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٣٧.
(١٦) تأكيد ، ب م : تأكيدا ، س.