مقدّمة
يذكر فيها أشياء يحتاج المفسر إليها ، منها معرفة الإنزال والتنزيل ، وكيفية النزول ، قيل : للمحققين في الإنزال قولان :
الأول : أن مجموع القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى ملك السماء الدنيا وهو العقل الفعال دفعة واحد.
والثاني : أنه أنزل من اللوح إلى العقل دفعة واحدة مقدار ما ينزل في سنة واحدة بحسب المصالح ، فعلى القول الأول يكون الإنزال من العقل الأول إلى قلبه عليهالسلام في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين على الاختلاف ، وعلى الثاني يكون الإنزال من اللوح إلى قلبه عليهالسلام في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين (١).
والتنزيل ظهور القرآن بحسب الاحتياج بواسطة جبرائيل على قلب النبي عليهالسلام ، وفيه طريقان : أحدهما : أن النبي عليهالسلام كان ينخلع من الصورة البشرية إلى الصورة الملكية ، ويأخذه من جبرائيل بحسب المصالح ، وهو الأصعب ، وثانيهما : أن الملك كان ينخلع من صورته إلى صورة البشر حتى يأخذه الرسول صلىاللهعليهوسلم منه عليهالسلام ، ففي التنزيل تدريج دون الإنزال.
واختلفوا في كيفية النزول ، فبعضهم قال : إنه ظهور القرآن (٢) على قلب الرسول من غير انتقال ، من قولهم : أنزل على فلان سرور ونزل بفلان غم إذا ظهر ، وقال بعضهم : إن الله أفهم كلامه جبرائيل في السماء وهو متعال عن المكان ، فتمثل فيه ثم جاء جبرائيل من السماء إلى الأرض ، وعلم النبي عليهالسلام قراءته ، فلا انتقال في كلامه تعالى أصلا.
ومنها معرفة التفسير والتأويل ، والفرق بينهما ، قالوا : التفسير في الأصل هو الكشف والإظهار ، وحده : توضيح معنى الآية وشأنها وقصتها والسبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل عليه دلالة ظاهرة ، والتأويل في الأصل : الترجيع ، وحده : صرف الآية من معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنة ، مثالهما ما يقال في قوله تعالى (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) (٣) ، إن أراد منه إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا ، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلا ، والأول يحتاج إلى السماع من الثقات لتعلقه بالرواية لئلا يقع في ورطة الهلاك لقول النبي عليهالسلام «من فسر القرآن برأيه فقد كفر» (٤) ، وفي رواية ، «من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (٥) ، فيحمل الأول على من فسره ولم يصب ، لقول أبي بكر رضي الله عنه حين سئل عن معنى «الأبّ» في قوله تعالى (وَفاكِهَةً وَأَبًّا)(٦) لا أدري ما الأب ، فقيل له : قل من
__________________
(١) لعله اختصره من البرهان ، انظر الزركشي ، بدر الدين محمد بن عبد الله ، البرهان في علوم القرآن ، بيروت ، ١ / ٢٢٨.
(٢) القرآن ، م : القراءة ، ب س ؛ وانظر أيضا الزركشي ، ١ / ٢٢٩.
(٣) الروم (٣٠) ، ١٩.
(٤) ذكر القرطبي نحوه ، انظر القرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ، الجامع لأحكام القرآن (تحقيق : أبو إسحاق إبراهيم اطفيش) ، بيروت ـ لبنان ، ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، ١ / ٣٢. ولم أجد حديثا بهذا اللفظ في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٥) أخرجه الترمذي ، أبو عيسى محمد بن عيسي بن سورة ، سنن الترمذي ، إسطنبول ، ١٩٨١ ، تفسير القرآن ، ١ (٢٩٥١) ؛ والطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير ، جامع البيان عن تأويل القرآن ، (تحقيق : محمود محمد شاكر ، أحمد محمد شاكر) ، القاهرة ، الناشر : دار المعارف بمصر ، ١ / ٧٩.
(٦) عبس (٨٠) ، ٣١.