و (أَنْ تَحْكُمُوا) مفعوله (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أي نعم شيئا ينصحكم به تأدية الأمانة والحكم بالعدل ، ف «ما» نكرة بمعنى شيء ، و «يعظكم به» صفته والمخصوص بالمدح محذوف (إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً) بمقالة دفع المفتاح إلى عمك العباس (بَصِيراً) [٥٨] أي عالما برد المفتاح إلى أهله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩))
ولما أمر الحكام بالعدل أمر المؤمنين (١) بطاعتهم بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) في فرائضه (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في سننه (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي وأطيعوا الولاة إذا أمروا بطاعة الله ، قال عليهالسلام : «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» (٢) ، قيل : كان الخلفاء يقولون أطيعوني ما عدلت فيكم فان خالفت فلا طاعة لي عليكم (٣) لقوله عليهالسلام : «وإذا أمر المسلم بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (٤) ، وقيل : المراد من (أُولِي الْأَمْرِ) العلماء المتقون الذين يعلمون الناس معالم دينهم (٥) ، أي شرائعه من الحل والحرمة ، ثم قال (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أي إن اختلفتم أنتم وأمراء العدل (فِي شَيْءٍ) من الشرائع (فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ) أي إلى كتابه (وَالرَّسُولِ) أي إلى نفسه مدة حيوته ، فان مات فالى سننه (٦) ، وقيل : معناه إذا أشكل عليكم شيء فقولوا الله ورسوله أعلم (٧)(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي بالبعث بعد الموت (ذلِكَ) أي الرد إلى كتاب الله وإلى سنة الرسول (خَيْرٌ) من التنازع (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [٥٩] أي أجمل من تأويلكم أو أجمل عاقبة ومرجعا.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠))
قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) أي يدعون (أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي بالقرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي بالتورية وغيرها من الكتب المنزلة ، نزل حين وقع بين بشر المنافق ويهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد حتى يحكم بيننا ، وقال المنافق : بل نأتي كعب بن الأشرف حتى يحكم بيننا ، إذ سمع عمر بن الخطاب قولهما فقال : ما شأنكما فأخبراه بالقصة ، فقال عمر : أنا أحكم بينكما ، فأجلسهما ، ثم دخل البيت وخرج بالسيف وقتل المنافق (٨) ، فأخبر الله عن حال المنافق وقال (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) وهو كعب بن الأشرف ، وسمي به لتجاوزه في الطغيان (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي بالطاغوت ، وهو يذكر ويؤنث (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ) أي كعب بن الأشرف أو حقيقة الشيطان (أَنْ يُضِلَّهُمْ) عن الهداية (ضَلالاً بَعِيداً) [٦٠] أي لا غاية له فلا يهتدون.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) بفتح اللام ، أصله تعاليوا أمر لهم ، أي جيؤا (إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) أي إلى ما أمره الله (٩) في كتابه (وَإِلَى الرَّسُولِ) أي وإلى ما أمره رسوله (رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ) أي يعرضون (عَنْكَ صُدُوداً) [٦١] أي إعراضا عن الحق.
__________________
(١) المؤمنين ، م : المؤمنون ، ب س.
(٢) أخرجه مسلم ، الإمارة ، ٣٢ ، ٣٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٩٤.
(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٦٣.
(٤) أخرجه البخاري ، الأحكام ، ٤ والجهاد ، ١٠٨ ؛ ومسلم ، الإمارة ، ٣٨ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٩٤.
(٥) نقله عن البغوي ، ٢ / ٩٤.
(٦) سننه ، س م : سنته ، ب.
(٧) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٣٦٣.
(٨) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٣٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٩٧.
(٩) الله ، م : ـ ب س.