اليهود (١) ، وذلك : أن اليهود اجتمعوا على قتل عيسى فهرب منهم ، ودخل في بيت فأمر ملكهم رجلا بأن يدخل عليه اسمه يهوذا ، فجاء جبرائيل ورفع عيسى إلى السماء ، فلما دخل الرجل البيت لم يجده ، فألقى الله شبه عيسى وشكله عليه ، فلما خرج من البيت ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه (٢) ، فقال تعالى في شأن عيسى عليهالسلام (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) المقبول بعيسى فاختلفوا فيه ، فقالوا : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ ويجوز أن يسند (شُبِّهَ) إلى (لَهُمْ) بمعنى وقع التشبيه لهم بعيسى ، ثم قال تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي في عيسى (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) لأن بعض اليهود قالوا نحن قتلناه ، وكذا قال (٣) بعض النصارى نحن قتلناه ، وقال البعض من الفريقين : ما قتله هؤلاء ولا هؤلاء ، بل رفعه الله إلى السماء (ما لَهُمْ بِهِ) أي بقتله (مِنْ عِلْمٍ) أي يقين ، يعني لم يكن عندهم علم يقين أنه قتل أو لم يقتل (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) استثناء منقطع ، أي لكنهم اتبعوا ظنهم في قتل عيسى لما لاحت لهم (٤) أمارة ذلك ، ثم أكد (٥) كذبهم بقوله (وَما قَتَلُوهُ) أي عيسى (يَقِيناً) [١٥٧] نصب على الحال ، أي متيقنين أو مصدر ، أي قتلا يقينا.
(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨))
(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أي إلى حفظه في السماء في شهر رمضان ليلة القدر ، وقيل : «في يوم عاشوراء بين الصلوتين» (٦)(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) أي منيعا حيث منع عيسى من القتل (حَكِيماً) [١٥٨] أي صانعا بحكمة حيث رفعه إلى السماء ، وشبه صاحبهم بعيسى.
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩))
قوله (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) إخبار من الله لنبيه عليهالسلام قبل موتهم للوعيد ، وتعجيل الإيمان به في وقت الانتفاع به بأنه (٧) ما أحد من أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلا والله ليؤمنن بعيسى بعد نزوله من السماء على صخرة بيت المقدس ، ويقتل الدجال ويكسر الصليب ويهدم البيع والكنائس حتى يكون الملة واحدة ، وهي دين الإسلام قبل موت عيسى ، قيل : يبقى عيسى بعد نزوله من السماء في الأرض أربعين سنة نبيا إماما مهديا على دين محمد عليهالسلام ويقع الأمنة في زمانه حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذياب مع الغنم والصبيان مع الحيات والعقارب ، ثم يموت ويصلي عليه هذه الأمة (٨) ، وقيل : الهاء في «موته» للكتابي (٩) ، والمعنى : أن كل كتابي قبل موته بيسير يؤمن بعيسى حين لا ينفع الإيمان سواء احترقوا أو غرقوا أو قتلوا بالسيف لا بد أن يؤمنوا أو الضمير في «به» لله أو لمحمد (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ) إيمانهم أو عيسى (عَلَيْهِمْ شَهِيداً) [١٥٩] بأنه قد بلغهم الرسالة فيشهد على اليهود أنهم كذبوه وقذفوه وأمه ، وعلى النصارى أنهم ادعوا فيه الألوهية.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠))
قوله (فَبِظُلْمٍ) يتعلق بقوله (حَرَّمْنا) بعده ، أي فبشرك (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي من اليهود (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) من المطاعم وغيرها أو فبكل ظلم صدر منهم من الصغير والكبير حرم عليهم بعض الطيبات ، وهي التي حرمت عليهم في سورة الأنعام (وَبِصَدِّهِمْ) أي وبصرفهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دينه (كَثِيراً) [١٦٠] من الناس.
__________________
(١) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٤٠٢.
(٢) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٤٠٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ١٨٤.
(٣) وكذا قال ، م : وقال ، ب س.
(٤) لما لاحت لهم ، ب : لما لاحت بهم ، س ، بما لو لات بهم ، م.
(٥) ثم أكد ، ب س : ثم الله ، م.
(٦) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٠٢.
(٧) بأنه ، ب س : أن ، م.
(٨) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ١ / ٤٠٣ ؛ والبغوي ، ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ٦ ـ ٧.
(٩) لعل المصنف اختصره من السمرقندي ، ١ / ٤٠٣.