عهد ، فنقضوا بقطع الطريق (١) أو في العرنيين الذين أسلموا ثم ارتدوا بعد أن خرجوا من المدينة وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل (٢) ، وأكثر العلماء أن هذه الآية في حق قطاع الطريق من المسلمين لقوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)(٣) ، وقيل : هذا حكم كل قاطع طريق كافرا كان أو مسلما (٤) ، ثم الإمام مخير في المحاربين بين القتل والصلب والقطع والنفي ، ف «أو» فيه للتخيير (٥) ، وقيل : الآية مرتبة على ترتيب الجرائم (٦) ، فمن جمع بين القتل وأخذ المال في قطع الطريق قتل وصلب ومن أفرد القتل قتل ومن أفرد أخذ المال قطعت يده لأخذ المال ورجله لإخافة السبيل ومن أفرد الإخافة نفي من الأرض (ذلِكَ) أي القتل والقطع وغيرهما (لَهُمْ خِزْيٌ) أي ذل وفضيحة (فِي الدُّنْيا) ولا يكون ذلك كفارة لذنوبهم (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [٣٣] أي أشد مما كان في الدنيا ، وهو عذاب النار.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤))
ثم استثني ممن عوقبوا بقطع الطريق بقوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أي رجعوا عما فعلوا قبل أن يؤخذوا في صنيعهم قبلت توبتهم ، فهم لا يعاقبون في الدنيا ولا في الآخرة بقطع الطريق ، لكن القتل والجراح وأخذ المال يتعلق حكمها إلى الأولياء ، إن شاؤا عفوا وإن شاؤا استوفوا ، ثم قال تأكيدا (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ) لذنوبهم بالتوبة (رَحِيمٌ) [٣٤] بهم بقول توبتهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥))
ثم حذرهم عن ارتكاب المعاصي وحثهم في العمل الصالح فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا) أي اطلبوا (إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) وهي مراعاة سبيل الله بالعلم والطاعة وكسب الحلال لتصلوا الفضيلة والقربة إلى الله (وَجاهِدُوا) العدو بالغزو (فِي سَبِيلِهِ) أي في دينه (٧) الإسلام (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [٣٥] أي لتنجوا من العذاب وتنالوا الثواب.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦))
ثم قال تهديدا للكفار ليؤمنوا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وآياته (لَوْ أَنَّ) «لَوْ») شرط ، فعله محذوف ، و (إِنَّ) ما بعدها في محل الرفع فاعله ، أي لو ثبت أن يكون (لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ) عطف على اسم (إِنَّ) وهو (ما فِي الْأَرْضِ) ، أي وثبت أن لهم مثل ما في الأرض جميعا (مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ) أي بكل واحد منهما ، يعني ليجعلوه فدية لأنفسهم (٨) أو على إجراء الضمير مجرى اسم الإشارة ، لأنه قيل ليفتدوا بذلك (مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) ف «لو» مع ما بعده في محل الرفع خبر «إن» بالكسر ، وجواب «لو» (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) أي لم يقبل (٩) منهم ذلك الفداء (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٣٦] أي وجيع دائم.
(يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧))
(يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) أي من أبوابها لشدة العذاب بهم (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) لأن الملائكة يردونهم إليها بمقامع من حديد (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) [٣٧] أي لازم بهم لا يزول عنهم أبدا.
__________________
(١) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٢ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢٥.
(٢) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢٥.
(٣) المائدة (٥) ، ٣٤.
(٤) نقله عن الكشاف ، ٢ / ٢٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٢٤٧ (عن ابن عباس).
(٥) لعل المصنف أخذ هذا الرأي عن البغوي ، ٢ / ٢٤٧.
(٦) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ٢٤٧.
(٧) أي في دينه ، س م : أي دينه ، ب.
(٨) لأنفسهم ، ب س : لأنفسكم ، م.
(٩) يقبل ، ب م : يتقبل ، س.