المنافقين الذين يبادرون سريعا في الكفر بموالاة المشركين ، فاني ناصركم عليهم ، ومحل (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) أي بألسنتهم (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) في السرقة ، نصب على الحال من ضمير (يُسارِعُونَ) لبيان أنهم منافقون ، قوله (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) في محل الرفع خبر مبتدأ هو (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أي ومن اليهود قائلين لما يفتريه أحبارهم من الكذب على الله ورسوله بتحريف الكتاب وتبديل نعت محمد عليهالسلام من قولهم سمع لك ، أي قبل قولك ، ومنه سمع الله لمن حمده إذا قبل (١) حمده أو المعنى : من اليهود سماعون منك ليكذبوا عليك بالزيادة فيما يسمعون منك ، لأنهم إذا جالسوك صدقوا في ذلك ، وهم أهل خيبر ، قوله (سَمَّاعُونَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم سماعون من رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لِقَوْمٍ آخَرِينَ) أي لأجل قوم آخرين من اليهود وجوههم إليه جواسيس ليبلغوهم ما سمعوا منه ، وقيل : (سَمَّاعُونَ) الثاني قريظة والقوم الآخرون يهود خيبر (٢) ، وقوله (لَمْ يَأْتُوكَ) في محل الجر صفة «قوم» ، أي سماعون (٣) لطائفة أخرى منهم لم يجيؤك لإفراطهم في شدة البغضاء والعداوة بك ، روي : أنه قد زنى يهودي بيهودية ، وكانا محصنين شريفين عند أهل خيبر ، وكان حدهما الرجم فكرهوا رجمهما لشرهما ، فبعثوا رهطا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله عن حدهما عنده ، وقالوا : إن أمركم محمد بالجلد فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا ، وأرسلوا الزانيين معهم ، فأمرهم النبي عليهالسلام بالرجم فلم يقبلوا ، فقال له جبرائيل : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا حكما ، فدعاه النبي عليهالسلام وجاءه فجعله حكما ، فقال له : أنشدك الله الذي لا إله إلا هو ، هل تجد في كتابك (٤) الرجم على من أحصن؟ قال : نعم ، فوثب عليه سفلة اليهود ، فقال : خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب ، ثم سأل رسول الله عن أشياء كان يعرفها من علامات نبوته ، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشر به المرسلون عليهمالسلام ، فحكم النبي عليهالسلام بالرجم فرجما عند باب مسجده ، وقال : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه (٥) ، قوله (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم يميلونه ويزيلونه (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي عن مواضعه التي وضع عليها من الصحة في بيان الحلال والحرام ، فيحلون حرامه ويحرمون حلاله ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير «سماعون» ، وكذلك قوله (يَقُولُونَ) أي هم يقولون (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا) أي أمرتم بالجدل في التورية (فَخُذُوهُ) أي فاقبلوه (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) ويأمركم محمد بالرجم (فَاحْذَرُوا) أي من حكمه ولا تقبلوه (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) أي إضلاله (٦) وعذابه (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي لن تقدر على دفعه عنه (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ) أي لم يرد أن يعطيهم من اللطف والتوفيق ما يزكي به (قُلُوبَهُمْ لَهُمْ) لأنهم ليسوا من أهله في علمه (فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) بالقتل والسبي والجزية مجازاة لكفرهم (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [٤١] أي أشد مما كان في الدنيا.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢))
قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) نزل في شأن كعب بن الأشرف وفيمن كان مثله من علماء الإسلام الذين يقبلون شهادة الزور ويحكمون بغير الحق ويرتشون في حكمهم (٧)(أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) بضم الحاء وسكونها (٨) ، أي الحرام الذي يلزم صاحبه العار أو الاستئصال في العاقبة ، قيل : يا رسول الله ما السحت؟ قال : «الرشوة في
__________________
(١) إذا قبل ، ب س : أي قبل ، م.
(٢) هذا الرأي منقول عن البغوي ، ٢ / ٢٥٤.
(٣) أي سماعون ، ب م : ـ س.
(٤) كتابك ، س م : كتابكم ، ب.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ٢٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٢٥٤ ـ ٢٥٦.
(٦) أي إضلاله ، ب م : أي ضلاله ، س.
(٧) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ٢٥٧.
(٨) «السحت» : قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وخلف باسكان الحاء ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٩٣.