لله تعالى كان كفارة له» (١)(وَمَنْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [٤٥] أنفسهم لتعريضها للعقوبة ، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه.
(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦))
ثم قال (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) أي أتبعناهم على آثار النبيين المذكورين ، فالمفعول (٢) الأول من «قفينا» محذوف ، قام مقامه على آثارهم (٣) ، والمفعول الثاني بزيادة الباء (٤)(بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) مقررا للتورية بالصدق فهو حال من «عيسى» (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً) من الضلالة (وَنُورٌ) أي بيان لأحكام الله (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) أي موافقا للتورية في التوحيد وبعض الشرائع ، قوله (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً) منصوبان على أنهما مفعول لهما لفعل مقدر (٥) ، أي وآتيناه الإنجيل للهدى والموعظة وللحكم بما أنزل الله فيه من الأحكام (لِلْمُتَّقِينَ) [٤٦] أي للذين يخشون الله تعالى من المعاصي.
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧))
قوله (وَلْيَحْكُمْ) بسكون اللام والميم أمر مستأنف لإلزام الحكم ، أي وقلنا ليحكم (أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) أي عيسى وعلماؤه (بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) وبكسر اللام ونصب الميم لام كي (٦) ، أي وآتيناه الإنجيل لكي يحكم عيسى ، قيل : إن عيسى كان متعبدا بأحكام التورية ، لأن الإنجيل مواعظ والأحكام فيه قليلة (٧)(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) في الإنجيل وكان حكمهم العفو عن الجاني (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [٤٧] أي العاصون أمر الله (٨).
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨))
ثم قال خطابا لمحمد عليهالسلام (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) واللام فيه للعهد ، أي القرآن (بِالْحَقِّ) أي ملابسا ببيان الحق (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما قبله (مِنَ الْكِتابِ) واللام فيه (٩) للجنس ، أي من الكتب المنزلة من الله (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أي ورقيبا وشاهدا على الكتاب المنزل ، يعني يشهد له بالصحة ويحفظه من التبديل والتغير (فَاحْكُمْ) يا محمد (بَيْنَهُمْ) أي بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليك (بِما أَنْزَلَ اللهُ) أي بالقرآن (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي لا تعمل بهواهم عادلا (عن ما (جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) أو المعنى : ولا تعرض عما جاءك من الحق متبعا أهواءهم ومرادهم وإن كان ذلك مشروعا بشريعتهم (لِكُلٍّ) أي لكل نبي من الأنبياء (جَعَلْنا مِنْكُمْ) أيها الناس (شِرْعَةً) أي شريعة ودينا (وَمِنْهاجاً) أي طريقا واضحا ، وفيه دليل أنه لا يجب على أحد التعبد بشريعة (١٠) غيره ، قوله (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ) بالقسر (أُمَّةً واحِدَةً) أي على أمة واحدة بشريعة واحدة إشارة إلى قدرته وحكمته (وَلكِنْ) جعلكم أمما مختلفة (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) من الكتب والشرائع المختلفة ، يعني ليظهر لكم الطائع
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٤٠. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٢) أي أتبعناهم على آثار النبيين المذكورين ، فالمفعول ، ب ، أي أتبعنا على آثار النبيين المذكورين ، فالمفعول ، س ، ـ م.
(٣) قام مقامه على آثارهم ، ب س : ـ م.
(٤) بزيادة الباء ، ب س : بزيادة الباء أي اتبعناهم علي آثار النبيين ، م.
(٥) لفعل مقدر ، ب م : للفعل المقدر ، س.
(٦) «وليحكم» : قرأ حمزة بكسر اللام ونصب الميم ، والباقون باسكان اللام والميم. البدور الزاهرة ، ٩٣.
(٧) أخذه المصنف عن الكشاف ، ٢ / ٣٠.
(٨) أمر الله ، ب م : بأمر الله ، س.
(٩) فيه ، ب س : ـ م.
(١٠) بشريعة ، س م : لشريعة ، ب.