والعاصي منكم فيما أمره ونهاه (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي تقدموا وعجلوا الأعمال الصالحة ، وإلى الصف المقدم في الجهاد وإلى التكبيرة الأولى مع ذلك في الصلوة (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي إليه ترجعون (جَمِيعاً) فاعملوا بالفرائض والسنن ولا تتبعوا الأهواء والبدع (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [٤٨] من الدين والسنن يوم القيامة ، فهذا وعيد لهم ليستبقوا الخيرات ويتركوا السيئات.
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩))
قوله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) في محل النصب عطف على «الكتاب» ، أي وأنزلنا إليك الكتاب والحكم بينهم ، ويجوز أن يكون تقديره : وبأن احكم عطفا على «بالحق» ، أي أنزلناه بأن احكم بينهم (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) في الحكم (وَاحْذَرْهُمْ) مخافة (أَنْ يَفْتِنُوكَ) أي يصرفوك (عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) نزل حين قال الأحبار من يهود بني النضير فيما بينهم : اذهبوا بنا إلى محمد نفتنه عن دينه فانه بشر فأتوه ، فقالوا : يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود ، إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك ، فتقتضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ، فأبى ذلك رسول الله فأعرضوا عنه (١) فقال تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي إن تعرضوا عنك (٢) وعن الحكم بما أنزل الله إليك وأرادوا غيره (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) أي بأن يجعل لهم العقوبة في الدنيا ببعض عملهم (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) [٤٩] أي لخارجون عن حكم الله وطاعته.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠))
قوله (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) بالتاء والياء (٣) ، نزل إنكارا على من يطلب حكما غير (٤) حكم الإسلام (٥) ، أي يطلبون منك شيئا لم ينزله الله إليك (٦)(وَمَنْ أَحْسَنُ) استفهام بمعنى النفي ، ومبتدأ وخبر ، أي لا أحد أحسن (مِنَ اللهِ حُكْماً) نصبه تمييز ، أي قضاء (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [٥٠] أي يعلمون باليقين أن الله هو الحاكم بالقرآن أو الحاكم بالعدل ، واللام للبيان أو بمعنى عند.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) نزل نهيا عن موالاة أعداء الدين (٧) ، وذلك حين كانت وقعة أحد فان بعض الناس من المسلمين فيها خاف أن يظهر عليهم الكفارة فأراد أن يعاشرهم ويواليهم ليأمن منهم ، فقال تعالى لا تتخذوهم (٨) أولياء في العون والنصرة كالمؤمنين (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في النصرة لاتحاد ملتهم واجتماعهم في الكفر (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) أي من يتخذهم أولياء (مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي هو على دينهم ومعهم في النار لنفاقهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [٥١] أي لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة أعداء الله.
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢))
ثم شرع في بيان المنافقين بقوله (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق من رؤية العين (يُسارِعُونَ)
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ١٦٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٤١ ـ ٤٤٢.
(٢) عنك ، س م : عنكم ، م.
(٣) «يبغون» : قرأ ابن عامر بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيب. البدور الزاهرة ، ٩٣.
(٤) غير ، س م : عن ، ب.
(٥) لعله اختصره من الكشاف ، ٢ / ٣١.
(٦) إليك ، ب م : ـ س.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٤٢ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٦٧.
(٨) لا تتخذوهم ، س : لا يتخذوهم ، ب م.