أي يبادرون (فِيهِمْ) أي في معاونة الكفار في محل النصب على الحال وإن كانت الرؤية بالقلب فالجملة مفعول ثان (١) ل «ترى» ، يعني تراهم يوالون بهم ويعتذرون بأنهم لا يأمنون (٢) منهم (يَقُولُونَ) حال من ضمير الجمع (نَخْشى) أي نخاف (أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) أي حادثة تدور من دوائر الزمان كغلبة المشركين وجدب وشدة ، ولا يتم أمر محمد فاحتجنا إليهم ، فنزل توبيخا لهم بالإشارة إلى تتميم أمر محمد عليهالسلام (٣)(فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) أي بنصر محمد عليهالسلام وإظهار دينه ، و (أَنْ يَأْتِيَ) في محل النصب خبر «عسى» أو في محل الرفع بدل من «الله» (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) أي بأن يؤمر النبي عليهالسلام من عند الله ليظهر أسرار المنافقين وقتلهم أو ليقطع (٤) قوة اليهود وإجلائهم من بلادهم (فَيُصْبِحُوا) عطف على (أَنْ يَأْتِيَ) ، أي فان يصيروا (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من النفاق وموالاة الأعداء (نادِمِينَ) [٥٢] فانهم لما رأوا أمر بني قريظة والنضير ندموا على ما قالوا.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣))
قوله (وَيَقُولُ) بالرفع مع الواو للاستئناف أو لعطف جملة على جملة وعدمها ، وبالنصب (٥) عطف على (أَنْ يَأْتِيَ) وهو بيان حال المؤمنين وقولهم فيما بينهم ، أي يقول (الَّذِينَ آمَنُوا) بعضهم لبعض تعجبا من حال المنافقين بعد أن وفقهم الله في الإخلاص (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا) لكم (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي أغلظ أحلافهم (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) أي أولياؤكم في المعاضدة على الكفار بالإيمان ، ثم قال المؤمنون تعجبا من صنع (٦) المنافقين وسوء حالهم ودعاء عليهم (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت خيراتهم بالحلف الكذب ، يعني ما أحبط أعمالهم (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) [٥٣] أي صاروا مغبونين في الدارين بفضاحتهم بين الناس بالنفاق في الدنيا وعدم ثوابهم في الآخرة ، وقيل : يجوز أن يكون هذا (٧) من قول الله شهادة لهم بحبوط أعمالهم (٨).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤))
ثم قال تهديدا للمؤمنين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ) بالفك وبالإدغام (٩) ، أي من يرجع (مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) كافرا بعد موت النبي عليهالسلام ، نزل في الذين ارتدوا على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين قالوا نشهد أن «لا إله إلا الله» وأن محمدا رسول الله ولا نعطي الزكوة من أموالنا بعد رسول الله شيئا ، ثم خرج مسيلمة الكذاب فغلب على اليمامة وامتنعوا فشاور أبو بكر رضي الله عنه أصحاب النبي عليهالسلام في قتالهم ، فاتفقوا على قوله ، وجمعوا العساكر فذهبوا على مسيلمة الكذاب مع أهل اليمامة ، واجتمع الأعراب معه ، وكان بينهم قتال شديد ، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم ، وقتل مسيلمة الكذاب وأصحابه ، وتاب أهل الردة (١٠) ، فذلك قوله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ) مكانهم (يُحِبُّهُمْ) أي الله (وَيُحِبُّونَهُ) أي الله ، يعني يرضى بفعلهم ويثيبهم أحسن الثواب ويرضون بربوبيته ويطيعونه ولا يعصونه ، فالمراد ب «قوم» الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكوة ، و «هم» أبو بكر وأصحابه ، روي أنه قيل بعد نزوله يا رسول الله : من هؤلاء؟ قال قوم هذا
__________________
(١) ثان ، ب م : ثاني ، س.
(٢) لا يأمنون ، ب س : لا يؤمنون ، م.
(٣) لعله اختصره من الكشاف ، ٢ / ٣٢.
(٤) ليقطع ، س م : بقطع ، ب.
(٥) «ويقول» : قرأ الكوفيون باثبات الواو قبل الياء مع رفع اللام ، وقرأ المدنيان والمكي والشامي بحذف الواو ورفع اللام ، وقرأ البصريان باثبات الواو ونصب اللام. البدور الزاهرة ، ٩٤.
(٦) صنع ، س م : صنيع ، ب.
(٧) هذا ، م ، بهذا ، ب : ـ س.
(٨) نقله عن الكشاف ، ٢ / ٣٢.
(٩) «يرتد» : قرأ المدنيان والشامي بدالين الأولي مكسورة والثانية مجزومة بفك الإدغام ، والباقون بدال واحدة مشددة مفتوحة بالإدغام. البدور الزاهرة ، ٩٤.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٤٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.