عن طاعة الله وطاعة رسوله (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [٩٢] ليس عليه غيره ، فهذا تهديد لمن شرب الخمر ولعب الميسر بعد التحريم ، قال عليهالسلام : «كل مسكر خمر ، ان حتما على الله أن لا يشربه عبد في الدنيا إلا سقاه طينة الخبال يوم القيامة ، هل تدرون ما طينة الخبال؟ قال : عرق أهل النار» (١).
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣))
ثم قالت الصحابة : يا رسول الله! فكيف باخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فنزل قوله (٢)(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) أي إثم (فِيما طَعِمُوا) أي أكلوا من مال الميسر وشربوا الخمر قبل التحريم (إِذا مَا اتَّقَوْا) الكفر (وَآمَنُوا) أي صدقوا وثبتوا على الإيمان (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا) تناول الخمر والميسر بعد التحريم (وَآمَنُوا) أي ازدادوا إيمانا (ثُمَّ اتَّقَوْا) محارم الله كلها (وَأَحْسَنُوا) العمل بطاعة الله مع الامتناع عن المحارم أو أحسنوا إلى الناس (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [٩٣] في أفعالهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) نزل في تحريم الصيد ما داموا في الإحرام عام الحديبية (٣) ، وكان يكثر الصيد عندهم بحيث يتمكنون الأخذ بأيديهم والطعن برماحهم أي ليختبرنكم (اللهُ) بتحريم الصيد ، وهو إظهار ما علم من العباد (بِشَيْءٍ) قليل (مِنَ الصَّيْدِ) حالة الإحرام ، والوصف بالقلة إيذان بأن من لم يثبت عند القليل لم يثبت فيما هو أشد منه ، و (مِنَ) في (مِنَ الصَّيْدِ) للتبعيض ، إذ لا يجرم كل صيد للمحرم بل صيد البر ، والصيد بمعنى المصيد وإن كان مصدرا في الأصل ، يعني لتبلون (٤) بصيد (تَنالُهُ) أي تأخذه وتصله (٥)(أَيْدِيكُمْ) من صغاره وبيضه بغير سلاح (وَ) تناله (رِماحُكُمْ) من كباره بالسلاح ، وعلل الابتلاء بقوله (لِيَعْلَمَ اللهُ) علم الظهور والتمييز (مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) أي من يخاف عقابه وهو غائب منتظر في الآخرة فيجتنب الصيد ويتبين فضيلة الخائف من الله على غير الخائف منه ، ف (مِنَ) استفهامية في (مَنْ يَخافُهُ) وشرطية في (فَمَنِ اعْتَدى) أي ظلم وأخذ الصيد (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد التحريم (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٩٤] في الدنيا بالتعزير والكفارة ، وفي الآخرة بالتعذيب في نار جهنم إن مات بغير توبة ، قال ابن عباس : «يسلب ثيابه ويوسع بطنه وظهره جلدا» (٦).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي والحال أنكم محرمون والحرم جمع حرام ، أي المحرم ، نزل في شأن أبي اليسر حين قتل حمارا وحشيا وهو في الإحرام (٧)(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ) شرط (مُتَعَمِّداً) نصبه حال من فاعل «قتله» ، والمراد من التعمد عند البعض أن يكون الصائد ذاكرا القتل ناسيا الإحرام (٨) ، فلو قتل ذاكرا لهما فلا كفارة له لعظم ذنبه من الكفارة ، والأكثر على أن التعمد أن يقتله وهو ذاكر لإحرامه أو يعلم أن ما يقتله مما يحرم الله عليه (٩) ، وفيه الكفارة وحكم الخطأ كذلك ، وهو أن يقتل الصيد ناسيا لإحرامه أو ظانا بأنه ليس بصيد أو
__________________
(١) أخرجه مسلم ، الأشربة ، ٧٢ ؛ وأبو داود ، الأشربة ، ٥ ؛ والترمذي ، الأشربة ، ١ ، والقيامة ، ٤٧ ؛ والنسائي ، الأشربة ، ٤٥ ، ٤٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٢٩٩.
(٢) عن البراء بن عازب ، انظر الواحدي ، ١٧٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٥٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٠٠.
(٣) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٢ / ٣٠١.
(٤) لتبلون ، ب م : ليبلون ، س.
(٥) وتصله ، ب م : وتصل ، س.
(٦) انظر البغوي ، ٢ / ٣٠١.
(٧) نقله المفسر عن البغوي ، ٢ / ٣٠٢.
(٨) الإحرام ، ب س : للإحرام ، م.
(٩) مما يحرم الله عليه ، م : مما يحرم عليه ، ب س.