في الرسالة ثلاث سنين ، ثم رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة (١)(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) أي الحط بالقلم (وَالْحِكْمَةَ) أي الفقه والمعرفة (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) للحكم بهما بين الناس (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) مفعول (تَخْلُقُ) ، أي هيئة مثل هيئته (بِإِذْنِي) أي بارادتي وتيسيري (فَتَنْفُخُ فِيها) والهاء ترجع إلى الكاف في (كَهَيْئَةِ) ، أي هيئة مثل هيئة الطير ، ولا ترجع إلى ال «هيئة» المضاف إليها ، لأنها ليست من خلق عيسى ولا من نفخة بشيئ (٢)(فَتَكُونُ) أي تلك الهيئة (طَيْراً) بلا ألف وطائرا بالألف (بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) أي تشفيه (٣) ، عطف على «إذ تخلق» (وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) أي تحييهم بالدعاء مع استجابتي إياه (وَإِذْ كَفَفْتُ) أي منعت (بَنِي إِسْرائِيلَ) أي اليهود (عَنْكَ) حين هموا بقتلك (إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بعلائم المعجزة والدلالات الواضحة (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) أي من اليهود (٤)(إِنْ هذا) أي ما عيسى (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [١١٠] بالألف وبغيرها (٥) ، أي ما هذا الفعل منه إلا سحر ظاهر لا يخفى على من يراه أو وصف عيسى بالسحر مبالغة.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١))
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أي ألهمت إليهم أو أمرتهم على لسان رسولي (أَنْ آمِنُوا بِي) أي صدقوا بتوحيدي (وَبِرَسُولِي) فلما بلغهم عيسى الرسالة (قالُوا آمَنَّا) بالله وبرسوله (٦)(وَاشْهَدْ) يا عيسى (بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) [١١١] أي مخلصون ، من أسلم وجهه لله إذا أخلص دينه له.
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢))
(إِذْ قالَ) ظرف ل (مُسْلِمُونَ) أو لمضمر ، أي اذكر وقت قال (الْحَوارِيُّونَ) طلبا لنفس الفعل بالاستفهام لا شكا فيه (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) بالياء ورفع (رَبُّكَ) كقولك لرجل هل تستطيع أن تقوم معي وأنت تعلم أنه قادر على القيام معك أو (يَسْتَطِيعُ) بمعنى يطيع ، أي هل يجيبك ربك ، وبالتاء ونصب (رَبُّكَ)(٧) ، أي هل تقدر دعاء ربك بتقدير المضاف وهو يقتضي مفعولين ، الأول (رَبُّكَ) والثاني (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) أي خوانا فيه طعام (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [١١٢] أي مصدقين بالإخلاص فلا تسألوا لأنفسكم البلاء ، وقال بعضهم : في هذا القول دليل أنهم كانوا شاكين في الإيمان ، وأجيب عنه بأن الخطاب ليس متوجها على الحواريين لما روي : أن عيسى خرج إلى مفازة واتبعه خمسة آلاف أو أكثر من الناس يطلب بعضهم الدعاء لمرض أو علة من العمى والزمن أو غير ذلك ، ولم يكن معهم نفقة في ذلك ، فجاعوا فقالوا للحواريين : قولوا لعيسى حتى يدعو بأن ينزل علينا مائدة من السماء ، فقال عيسى : «قولوا لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين» (٨).
(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤))
(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) بأنك رسول الله (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) بأنك أرسلت إلينا نبيا (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) [١١٣] لله بالوحدانية والقدرة ولك بالرسالة للدعوة إليه ، فثم قام عيسى عليهالسلام ولبس الصوف وصلى ركعتين وتضرع وبكى ، ثم (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) داعيا ربه (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا
__________________
(١) هذا مأخوذ عن السمرقندي ، ١ / ٤٦٦.
(٢) ولا من نفخة بشيء ، ب س : ولا من نفخة شيء ، م.
(٣) أي تشفيه ، ب س : ـ م.
(٤) أي من اليهود ، م : زي اليهود ، ب س.
(٥) «سحر» : قرأ الأخوان وخلف بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء ، والباقون بكسر السين وحذف الألف وإسكان الحاء. البدور الزاهرة ، ٩٨.
(٦) وبرسوله ، ب م : ورسوله ، س.
(٧) «هل يستطيع ربك» : قرأ الكسائي بتاء الخطاب وبنصب الباء ، والباقون بياء الغيب ورفع الباء. البدور الزاهرة ، ٩٩.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٦٧.