واحد وبغير الألف (١) ، أي وما يضرون بالخداع (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأن وباله راجع إليهم لافتضاحهم في الدنيا بنزول القرآن لإظهار نفاقهم وبمعاقبتهم في الآخرة (وَما يَشْعُرُونَ [٩]) أي ولا يعلمون أن وبال الخداع يرجع إليهم.
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠))
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك وشر مضمر وهو يمرض ويوهن أفئدتهم وهنا يؤدي إلى هلاكهم ، لأن النفاق يهلك صاحبه (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بامالة الزاء وبغيرها (٢) ، أي أمدهم الله بمرض آخر على مرضهم ، لأن كل آية نزلت عليهم كفروا بها وازدادوا شكا ونفاقا ، وهذا معنى الخبر ، ويحمل أن يكون دعاء على وجه التعليم منه تعالى لجواز الدعاء على المصرين على الكفر والنفاق ، لأنهم أهل الذم والطرد إلى الدرك الأسفل (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي وجيع يصل ألمه إلى قلوبهم (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [١٠] بتخفيف الذال وبشديده (٣) ، أي بكذبهم في قلوبهم آمنا أو بتكذيبهم محمدا ونسبتهم إلى الكذب إياه في دعوى النبوة والإخبار بالقرآن.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) حكاية حال المكذبين ، قرئ (٤) بضم القاف وبكسرها فيه وفي أمثاله في القرآن كغيض وحيل وسيق ، أي قال المؤمنون للمنافقين : (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) أي لا تسعوا فيها بالفساد ، وهو خروج الشيء عن الاعتدال والانتفاع ، ونقيضه الصلاح ، يعني لا تعملوا المعاصي باضمار النفاق وصد الناس عن الإيمان ، وإسناد (قِيلَ) إلى (لا تُفْسِدُوا) إسناد إلى لفظه على تأويل ، وإذا قيل لهم هذا القول (قالُوا) كذبا منهم (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [١١] أي نحن لا نفسد والصلاح خالص لنا.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢))
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) في الأرض بانكار الحق وصد الناس عن دين محمد عليهالسلام ، و «ألا» كلمة تنبيه للمؤمنين على نفاقهم ، وتكرير «هم» لتأكيد ثبوت الفساد فيهم (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ [١٢]) أنهم أصحاب الفساد أو أنهم يعذبون غدا بنفاقهم ، وذكر الشعور بازاء الفساد أوفق ، لأنه كالمحسوس عادة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) أي لهؤلاء المنافقين ، وهم اليهود المؤمنون بلسانهم (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أي كعبد الله بن سلام وأصحابه أو المراد جميع المؤمنين ، لأن الناس هم في الحقيقة والباقي كالبهائم لعدم تمييزهم الإيمان عن الكفر (قالُوا) أي المنافقون بالإنكار (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) أي الجهال الخفيف العقول ، قال تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) أي الجهال الخرقي ، لا غير بتركهم التصديق في السر الموجب للسعادة الأبدية (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) [١٣] أنهم الجهال ، وذكر العلم في مقالة السفه أنسب طباقا ، لأنه في معنى الجهل.
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥))
__________________
(١) «وما يخادعون» : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال والباقون بفتح الياء وإسكان الخاء بلا ألف وفتح الدال ، وخلاف القراء إنما هو في الموضع الثاني المقيد بقوله تعالي «ما» ، وأما الموضع الأول وهو يخادعون الله فاتقوا علي قراءته كقراءة نافع ومن معه في موضع الثاني. البدور الزاهرة ، ٢١.
(٢) أخذ المؤلف هذه القراءة عن السمرقندي ، ١ / ٩٥.
(٣) «يكذبون» : قرأ الكوفيون بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الذال ، والباقون بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال. انظر البدور الزاهرة ، ٢١.
(٤) «قيل» : في الموضعين ، قرأ هشام والكسائي ورويس باشمام كسرة القاف الضم ، والباقون بكسرة خالصة. انظر البدور الزاهرة ، ٢١.