(هُدايَ) أي شريعتي ورسلي (١) ، وجواب «من» (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في المستقبل من العذاب ، والخوف ضد الأمن ، وهو عدم توقع مكروه في الزمان الآتي (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [٣٨] على ما خلفوا من أمر الدنيا ، والحزن ضد الفرح ، وهو غلظ السرور ، فبعد وعده للمؤمنين (٢) أوعد الكافرين فقال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي أنكروا برسلي (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بشريعتي معهم (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) في الآخرة (هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٣٩] أي دائمون ، لا يموتون فيها ولا منها يخرجون.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠))
ثم خاطب اليهود الذين كانوا في حوالي المدينة من بني قريظة والنضير وغيرهم ، وكانوا من أولاد يعقوب وقال (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) وهو يعقوب (اذْكُرُوا) أي اشكروا أو احفظوا (نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) والإنعام : الإحسان إلى الحيوان الناطق كبيرا كان أو صغيرا لا غير ، فلا يقال : أحسنت إلى فرس فلان ، والمراد منه : الإحسان بارسال الرسول المبشر به في التورية والإنجيل إليهم مع الإحسان الواصل إلى أجدادهم من إغراق أعدائهم فرعون وقومه القبط في البحر ، ومن إنزال المن والسلوى في التيه عليهم وغير ذلك ، لأن المنة على الآباء منة على الأولاد (وَأَوْفُوا) أي أتموا ولا تتركوا (بِعَهْدِي) أي الميثاق الذي عاهدتموني عليه بامتثال أمري والإيمان بمحمد عليهالسلام ، والعهد : حفظ الشيء ومراعاته حالا فحالا ، والمراد منه : الموثق بين المعاهد والمعاهد ، والعهد الوصية ، يقال : عهد فلان إلى فلان بشيء ، أي أوصاه بحفظه (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أي أتمم الذي قلت لكم من الجزاء وهو الجنة ، فالعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعا (وَإِيَّايَ) ارهبوا (فَارْهَبُونِ) [٤٠] أي فاخشوني من نقض العهد ، حذف الياء وأقيم الكسر مقامه ، والفاء في جواب شرط محذوف ، أي إن كنتم راهبين شيئا فارهبوني ، روي : «أن الله تعالى عهد في التورية بني إسرائل أني باعث نبيا أميا من بني إسمعيل ، فمن صدقه واتبعه غفرت له ذنوبه وأدخلته الجنة وأعطيه أجرين أجر اتباع موسى وأجر اتباع محمد عليهماالسلام». (٣)
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١))
(وَآمِنُوا) أي صدقوا (بِما أَنْزَلْتُ) أي بالقرآن (مُصَدِّقاً) أي موافقا (لِما مَعَكُمْ) أي لما في كتابكم التورية من النبوة والتوحيد وأخبار محمد عليهالسلام (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أي أول فريق يكفر بالقرآن عند هذا الخطاب بالإيمان أو الضمير لمحمد (٤) ، أي لا يكونوا أول من كفر بمحمد لقوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)(٥) أو تقديره : مثل أول كافر به ، يعني من أشرك به من أهل مكة وأنتم تعرفونه في التورية موصوفا (وَلا تَشْتَرُوا) أي لا تستبدلوا (بِآياتِي) أي بالقرآن والإيمان ومحمد (ثَمَناً قَلِيلاً) أي عرضا يسيرا من الدنيا ، وإنما وصفه بالقلة ، لأن الدنيا كلها قليل ، قيل : كان أحبار اليهود كابن الأشرف وأصحابه من علمائهم ينالون من أتباعهم وسفلة قومهم وظائف ومئاكل وكانت لهم رياسة عندهم ، يخافون أن يذهب وظائفهم ورياستهم ، لو آمنوا بمحمد وأتبعوه وهم عارفون صفته وصدقه (٦) ، فخوفهم الله بقوله (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) [٤١] أي اخشوني في آياتي ومحمد عليهالسلام ، والتقوى : حفظ النفس عما يؤثمها ، وهنا بمعنى الخوف والخشية ، يعني من كفر به أدخلته النار.
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢))
(وَلا تَلْبِسُوا) أي لا تخلطوا (الْحَقَّ) الذي تعرفونه من صفة محمد عليهالسلام (بِالْباطِلِ) الذي تكتبونه في
__________________
(١) ورسلي ، س م : ـ ب.
(٢) للمؤمنين ، س م : المؤمنين ، ب.
(٣) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ١١٤.
(٤) لمحمد ، س م : بمحمد ، ب.
(٥) البقرة (٢) ، ٨٩.
(٦) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ١١٤.