فاعله وذكره تأكيد لها ، لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة فكأنه قيل شديدة الصفرة (١) صفرتها وهو من قولك : جد جده ، وزاد في وصفه لزيادة البيان بقوله (٢)(تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) [٦٩] أي هي تعجبهم لحسن لونها فتلتذ قلوبهم والسرور التذاذ القلب عند وجود سببه.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠))
ثم سألوه أهي عاملة أو سائمة (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) أي ما صفتها من السائمة والعاملة (إِنَّ الْبَقَرَ) أي هذا الجنس كثير (تَشابَهَ) أي تشاكل (عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) [٧٠] أي لمدركون إلى البقرة بمشية الله ، قال ابن عباس رضي الله عنه : «لو لا أنهم استثنوا لم يدركوها أبدا» ، وعنه أيضا : «لو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزءت عنهم ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم» (٣).
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١))
(قالَ) موسى (إِنَّهُ) أي الله (يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) أي لا مذللة بالعمل (تُثِيرُ الْأَرْضَ) أي تقلبها للزراعة (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي الزرع ، والفعلان صفتان ل «ذلول» ، يعني ليست بمثيرة الأرض للكراب ولا بسانية عليها الماء ليسقي الحرث (مُسَلَّمَةٌ) أي سليمة من كل عيب (لا شِيَةَ فِيها) أي لا لون آخر فيها سوى لونها من الوشي للنوع ، وهو الخلط بالألوان ومنه ثوب موشى وأصلها وشية كوعدة (قالُوا الْآنَ) أي هذا الوقت بني لتضمنه معني الإشارة (جِئْتَ بِالْحَقِّ) أي أتيت بالبيان التام الذي أردنا منك تحققه في البقرة فطلبوها فوجدوها عند شاب من بني إسرائيل مات أبوه وورث منه عجلة في غيضة كانت ترعي فيها ولم يعلم بذلك وكان بارا بأمه يحتطب ويبيعه ويعطي أمه ثلث ثمنه ويتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويقسم ليلة أثلاثا ، ثلثا ينام فيه وثلثا يصليه وثلثا يقعد عند رأس أمه ، فقالت له يوما : إن أباك استودع الله لك عجلة في غيضة كذا ، فاذهب فأت بها فبعها ، فذهب ووجدها فلزم بعنقها وأتى بها أمه فقالت : بعها ستة (٤) دنانير بمشورتي فذهب ليبيعها فجاءه ملك في صورة آدمي فأعطاه ستة دنانير على أن لا يشاور أمه ، فلم يفعل وأخبر أمه بذلك ، فقالت : إنه ملك قل له : هل نبيع البقرة أم لا؟ فسأله ، فقال : لا إلا بملء مسكها ذهبا ، فلما أتى بها إلى السوق وجدها بنو إسرائيل على تلك الصفة فاشتروها بملء مسكها دنانير (٥)(فَذَبَحُوها وَما كادُوا) أي ما قربوا (يَفْعَلُونَ) [٧١] الذبح لغلاء ثمنها ، وقيل : لخوف فضيحة القاتل من قبيلتهم (٦) ، وقيل : ذبحوها بعد مكث وتوقف لعدم انقطاع خيط الاستكشاف عنهم (٧).
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢))
ثم خاطب بني إسرائيل بالقتل بقوله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ) وإن وجد من بعضهم لملابسة القتل لهم ، وهذا أول القصة ، وإنما لم يقدمه لفظا للاهتمام بشأن ذبح البقرة للكشف عن القاتل ، وبعد ذكره ذكر القتل بنسبته إلى الجماعة ليكون أبلغ في توبيخهم عليه لوجود القتل فيهم ، أي اذكروا وقت قتلكم (نَفْساً) وهي نفس عاميل
__________________
(١) شديدة الصفرة ، س م : شديد الصفر ، ب.
(٢) وزاد في وصفه لزيادة البيان بقوله ، ب : ـ س م.
(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ١٢٨ ـ ١٢٩.
(٤) ستة ، ب س : بثلثة ، م.
(٥) اختصره المؤلف من البغوي ، ١ / ٩٩ ـ ١٠٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ١٢٩. وقال ابن كثير في تفسيره بعد أن حكى نحو هذه الروايات : «وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم فيها اختلاف ما ، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل ، وهي مما يجوز نقلها ، ولكن لا نصدق ولا نكذب ، فلهذا لا نعتقد عليها إلا ما وافق الحق عندنا ، والله أعلم». انظر تفسير القرآن العظيم ، ١ / ١٥٧. وقال القرطبي بعد أن قص نحو هذه القصة : «فالله أعلم». انظر الجامع لأحكام القرآن ، ١ / ٤٥٥.
(٦) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ١٢٩.
(٧) لم أجد له أصلا في المصادر.