جعفر بن أبي طالب من أرض الخبشة وكانوا يقرؤون كتابهم ولا يحرفونه أي يقرؤون القرآن ويتبعونه حق اتباعه (١) ، وقيل : نزل في ابن سلام وأصحابه (٢) ، وقيل : عام في أهل الإسلام (٣) ، أي الذين أعطيناهم الكتاب (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) أي يقرؤونه حق قراءته كما أنزله الله على نبيه ولا يغيرون ما فيه ، والجملة نصب على الحال من «هم» المفعول ، وخبر المبتدأ (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ) أي يصدقون (بِهِ) أي بالقرآن أو بمحمد عليهالسلام (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالقرآن ويغيره أو بمحمد ولم يتبعه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [١٢٠] لاشترائهم الضلالة بالهدى.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢))
ثم خاطب اليهود لتأكيد النصح لهم وقطع الحجة عليهم بقوله (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أي احفظوا منتي عليكم في التيه من المن والسلوى واشكروا لي ولا تكفرون (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [١٢٢] أي ميزتكم عليهم بتفضيل آبائكم بتلك النعمة ولم يكن لغيرهم من العالمين.
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣))
(وَاتَّقُوا يَوْماً) أي اخشوا عذاب يوم (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) من الحقوق الذي لزمتها (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) أي من النفس الأولى فداء (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) أن شفعت للنفس الثانية (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [١٢٣] أي يمنعون من عذاب الله.
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤))
(وَإِذِ ابْتَلى) أي اذكر وقت اختبر (إِبْراهِيمَ) بالنصب مفعول (رَبُّهُ) بالرفع فاعل والاختبار من الله أن يظهر حالة المحنة (٤) ليستوجب الثواب والعقاب كما علم الكفر من إبليس ولم يلعنه بعلمه ما لم يختبره بما يستوجب اللعنة به ، أي أمر الله إبراهيم (بِكَلِماتٍ) أي بأوامر ونواهي ، وقيل : هي مناسك الحج كالطواف والسعي والرمي والإحرام والوقوف بعرفة والحلق والذبح وغير ذلك (٥) ، وقيل : «عشر خصال من السنن ، خمس في الرأس كقص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وإعفاء اللحية ، وخمس في الجسد كتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء بالماء» (٦)(فَأَتَمَّهُنَّ) أي عمل بهن لله تعالى وفي أمره فثم (قالَ) له ربه (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) يقتدى بك في الدين فأعجبه قوله به وتمنى أن يكون مثل ذلك لذريته ولذا (٧)(قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على تقدير واجعل فريقا من أولادي إماما يقتدى به بعدي (قالَ) الله تعالى مجيبا بأبلغ الجواب بجعله أولاده أئمة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [١٢٤] بفتح الياء وسكونها (٨) ، أي لا يصل الإمامة والاستخلاف بالنبوة الذي عهدت إليك من كان ظالما من أولادك وغيرهم وإنما ينال عهدي من كان عادلا بريئا من الظلم ، لأن الإمام إنما هو لمنع (٩) الظلم ، فكيف يجوز أن يكون ظالما وإن جاز فقد جاء المثل السائر من استرعى الذئب ظلم ، قيل : فيه إشارة إلى أن من أراد أن يبلغ درجة الأخيار ليقتدي به فليلازم التعب وجهد
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ١ / ١٤٧ ، ١٤٨ ؛ والواحدي ، ٣٤.
(٢) قاله الضحاك ، انظر البغوي ، ١ / ١٤٨ ؛ والواحدي ، ٣٤.
(٣) أخذه عن البغوي ، ١٤٨.
(٤) المحنة ، س : المخفية ، ـ ب م.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ١ / ٩١.
(٦) عن عطاء ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٥٦.
(٧) ولذا ، ب م : ـ س.
(٨) «عهدي الظالمين» : قرأ حفص وحمزة باسكان الياء مع حذفها لالتقاء الساكنين والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٤٠.
(٩) لمنع ، ب س : بمنع ، م.