الذنوب (١) ، والمراد من الرحمة الثواب (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [١٥٧] إلى سعادة الدارين حيث استرجعوا للمصيبة وسلموا لأمر الله تعالى.
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨))
قوله (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) وهما علمان للملكين بطرفي المسعى (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) جمع شعيرة (٢) ، وهي العلامة ، أي من أعلام دين الله ، نزل حين تحرج المسلمون من الطواف بينهما عند مجيء الإسلام ، لأنهما كانا رجلا اسمه إساف وامرأة اسمها نائلة زنيا فمسخا حجرين فوضعا في ذلك المكان فطال الزمان فعبدوهما في الجاهلية وإذا سعوا مسحوهما فكره أهل الإسلام أن يسعوا بينهما ، لأنه فعل الجاهلية ، فاذن الله تعالى في الطواف بينهما ، فقال : إنهما من مناسك الحج وأعلام دينه (٣)(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ) أي قصده (أَوِ اعْتَمَرَ) أي زاره (فَلا جُناحَ) أي فلا إثم (عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ) أي يحول ويدور (بِهِما) وأصل الطواف المشي حول الشيء ، والمراد هنا السعي بينهما وهو ركن عند الشافعي ومالك يجب عليه القضاء بتركه ولا يجزي عنه الدم عند أبي حنيفة رضي الله عنه واجب وليس بركن يجزيء عنه الدم (٤)(وَمَنْ تَطَوَّعَ) بلفظ الماضي في معنى الاستقبال وقرئ ومن يطوع بلفظ المستقبل الغائب وتشديد الطاء (٥) ، أصله يتطوع ومعناه يتبرع ، أي من تبرع (٦) بأن زاد في الطواف بعد الواجب (خَيْراً) أي بخير من الحج أو العمرة أو الصلوة أو الصدقة (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ) أي مجاز له (عَلِيمٌ) [١٥٨] بنيته ، وفيه حث على الطواف حول البيت أو هو مؤكد لقوله «فلا جناح عليه أن يطوع بهما» ، وحجة لمن يزعم أن السعي بينهما ليس بواجب ولا ركن إذا لم يؤله بالزيادة على الواجب بل يريد نفس الطواف.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) نزل في رؤساء اليهود الذين كتموا صفة محمد عليهالسلام وآية الرجم وغيرهما كمالك ابن الضيف وابن صوريا وكعب ابن الأشرف (٧) ، أي الذين يسترون (ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي القرآن وما فيه من الأحكام (وَالْهُدى) أي الهداية إلى الإسلام بنعب محمد واتباعه بالإيمان به (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ) أي أوضحناه (لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) أي في التورية على كفرهم ، فالواو للحال (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) أي يبعدهم عن رحمته (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [١٥٩] من الثقلين والملائكة ، يعني يقولون : اللهم العنهم ، قيل : «ما تلاعن رجلان إلا ارتفعت اللعنة بينهما فان استحقها أحدهما وإلا رجعت على الذين كتموا صفة محمد عليهالسلام» (٨).
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠))
قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) استثناء متصل من ضمير المفعول في (يَلْعَنُهُمُ) ، أي إلا الذين رجعوا عن كتم البينات أو منقطع ، أي لكن الذين رجعوا عن الكفر (وَأَصْلَحُوا) الأعمال بينهم وبين الله (وَبَيَّنُوا) أي أظهروا ما كتموا باعترافه وقراءته ليقبل توبتهم (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أي أتجاوز عنهم وأقبل توبتهم (وَأَنَا التَّوَّابُ) أي المتجاوز البليغ عمن تاب من ذنبه (الرَّحِيمُ) [١٦٠] بقبول توبته ومغفرته.
__________________
(١) أخذ المفسر هذا المعنى عن السمرقندي ، ١ / ١٦٩.
(٢) شعيرة ، ب م : شعير ، س.
(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ١٧٠ ـ ١٧١ ؛ والكشاف ، ١ / ١٠٢.
(٤) هذه الأقوال منقولة عن الكشاف ، ١ / ١٠٣.
(٥) «تطوع» : قرأ الأصحاب ويعقوب بالياء التحتية وتشديد الطاء وجزم العين ، والباقون بالتاء الفوقية وتخفيف الطاء وفتح العين. البدور الزاهرة ، ٤٣.
(٦) أي من تبرع ، ب م : ـ س.
(٧) نقله عن السمرقندي ، ١ / ١٧١ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٩ ؛ والبغوي ، ١ / ١٨٧.
(٨) عن ابن مسعود ، انظر السمرقندي ، ١ / ١٧١.