(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بالإيصاء وتغييره (عَلِيمٌ) [١٨١] بثوابه وجزاء من غيره.
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢))
(فَمَنْ خافَ) أي علم وأحس وتوقع (مِنْ مُوصٍ) بالتخفيف والتشديد (١)(جَنَفاً) أي من الذي أوصى حيفا وهو الميل عن الحق بالخطأ في الوصية (أَوْ إِثْماً) أي ظلما منه عمدا في وصيته (٢) فزاد في الثلث (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) أي بين الموصي لهم ، وهم الوالدان والأقربون فغير وصيته باجرائها على طريق الشرع (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي لا وزر على المغير حينئذ ، لأن تغييره تغيير باطل إلى الحق فلا يكون ظلما (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب عن الظلم (رَحِيمٌ) [١٨٢] لمن أطاعه في أمره.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) أي فرض عليكم صيام شهر رمضان ، والصوم في اللغة الإمساك ، وفي الشرع إمساك يوم عن أشياء مخصوصة مع النية ، ثم أكد فرضيته وبين أنه عبادة قديمة ليست مخصوصة بنا ، بل كانت مفروضة على من تقدمنا أيضا بقوله (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي على الأنبياء والأمم من عهد آدم إلى عهدكم ، يعني أن صومكم هذا كصومهم في عدد الأيام وهو شهر رمضان ، قيل : كان وقوعه في البرد الشديد والحر الشديد فشق عليهم في معائشهم وأسفارهم فجعلوه بين الشتاء والربيع وزادوا عشرين يوما كفارة لتحويله وقته (٣)(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [١٨٣] المعاصي ، لأن الصائم يمنع نفسه من مباشرة السوء ، قال عليهالسلام : «فعليه بالصوم فان الصوم له وجاء» (٤) ، أي مجن من السوء.
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤))
قوله (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) ظرف ل «كتب» أو ل «الصيام» ، أي موقتات بعدد معلوم وهو مشعر بقلتها ، قيل : كان الصوم واجبا في ابتداء الإسلام ثلثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء فنسخ بصيام شهر رمضان (٥)(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) لم يقدر على الصوم (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي عازما عليه فلم يصم رمضان (فَعِدَّةٌ) أي فعليه صيام أيام عدد أيام فطره قضاء (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وهو صفة ل «عدة» وهي بمعنى المعدودة ، وإنما قالها بالتنكير ولم يقل فعدتها بالإضافة لما علم من الحكم أنه لا يؤثر عدد على عددها ، فاكتفي بالتنكير عن التعريف بالإضافة ، أي صيام أيام من أيام غير أيام مرضه وسفره كيف شاء بالتواتر وبالتفريق (٦) ، و «أخر» لا ينصرف للوصف والعدل التقديري (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) من أطاق فلان إذا زال طاقته ، والهمزة للسلب ، أي لا يقدرون على الصوم وهم الذين قدروا عليه في حال الشباب ، ثم عجزوا عنه في حال الكبر (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) أي أن يفتدوا بدفعهم لكل مسكين مقدار نصف صاع من حنطة عن كل يوم عجزوا عنه أو صاع من غيره عند أبي حنيفة رضي الله عنه
__________________
(١) «موص» : قرأ شعبة والأصحاب ويعقوب بفتح الواو وتشديد الصاد ، والباقون باسكان الواو وتخفيف الصاد. البدور الزاهرة ، ٤٥.
(٢) وصبته ، س م : وصية ، ب.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١١٠.
(٤) أخرجه البخاري ، الصوم ، ١٠ ، النكاح ، ٢ ، ٣ ؛ ومسلم ، النكاح ، ١ ؛ والنسائي الصيام ، ٤٣ ؛ وابن ماجة ، النكاح ، ١ ؛ وأحمد بن حنبل ، ١ / ٥٧ ، ٣٧٨ ، ٤٢٤ ، ٤٢٥.
(٥) نقله المفسر عن البغوي ، ١ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا أبو جعفر النحاس ، ١٩ ـ ٢٠.
(٦) (فَعِدَّةٌ) أي فعليه صيام أيام عدد أيام فطره ... كيف شاء بالتواتر وبالتفريق ، ب : (فَعِدَّةٌ) أي فعليه صيام أيام عدد أيام فطره قضاء (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وهو صفة لعدة وإنما قال بالتنكير ولم يقل فعدتها بالإضافة لما علم من الحكم أنه لا يؤثر عدد علي عددها فاكتفي بالتنكير عن التعريف بالإضافة أي صيام أيام من أيام غير أيام مرضه وسفره كيف شاء بالتواتر وبالتفريق ، س ، (فعدة بالتنكير فلم يقل فعدتها بالآضافة لئلا يؤرث عدد علي عددها (من أيام أخر) وهو صفة لعدة وهي بمعنى المعدود أي من أيام غير أيام مرضه وسفره ، م.