أقول :
ذكر صاحب كتاب غاية الاختصار(١) حادثة وقعت للسيّد صفي الدين محمّـد بن معد مع الخليفة العباسي الناصر لدين الله تدلّ على نزاهته العالية وشرفه وشجاعته الفائقة في مواجهة أهل الدسائس والغدر ، وإليك نصّها : «حدّثني السيّد شرف الدين أبو جعفر بن محمّـد بن تمام العبيدلي ـ وكان سيّداً خيّراً منقطعاً قد طعن في السنّ ـ قال : حدّثني أبي قال : حدّثني الفقيه صفيّ الدين محمّـد بن معد رحمهالله ـ وهذه الحكاية عندي مكتوبة بخطّ العفيف صفيّ الدين رحمهالله في كتاب بخطّه يحتوي على أشياء رواها عن أبائه ، وأجداده ـ قال : استدعاني الإمام الناصر بأحد أتباع البدرية الشريفة ، فاغتسلت وتأهّبت ومضيت إليه ، فرأيته جالساً على مستشرف على دجلة وليس بين يديه سوى نجاح الشرابي ، فاستدناني وأحسن ردّ السلام عليَّ ، فلمّا جلست قال لي : أضنّك قد ارتعت لاستدعائك في هذا الليل ، فقلت : الوثوق بورع أمير المؤمنين والعلم بعدله يمنع من اعتراض الروع ، قال يا محمّـد أتدري لما استدعيتك؟ قلت : لا يا أمير المؤمنين ، قال : استدعيتك لكذا وكذا وعرض عليَّ أموراً ، هكذا في خطّه رحمه الله تعالى. وأمّا ابن شبانة فقال : طلبه ليولّيه نيابة ، وقال له : طلبتك حتّى أجلسك في هذا الرواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، قال : فامتنعت وخضعت في الإعفاء ، فألزمني ، فحين لم أجد لي بُدّاً قلت : يا أمير المؤمنين والله ما أتيت إلاّ وقد اغتسلت وتأهّبت للموت ولم أُعلم بناتي ولا أهلي بالموضع الذي أُحضرت إليه فإن كان في نفس أمير المؤمنين شيء فليفعل ما بدا له ،
__________________
(١) غاية الاختصار : ٨٣.