المقصَدُ الثّالث :
إنّ الله تعالى لا يُخِلُّ بالواجب ؛ لأنّه كلّف عبادَهُ ويكلّفه أُمرهُ بما فيه مَصْلَحَةٌ ، ونهيُه عمّا فيه مَفْسَدةٌ ممّا فيه المشقّةُ بقدر الطّاقة ؛ لامتثال أمر منَ تَجب طَاعتُهُ ابتداءً بما كُلِّفَ به ، كما قال عزّ وجلّ : (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (١) ، وهو لطف(٢) مقتضي الحكمة(٣) والكرم ، فإنّه تعالى خلق القوّة الشهويّة والغضبيّة للمصلحة في بني آدم ، وكثيراً ما يستسهلون فعل القبيح وترك الحسن على تقدير إدراكهما ، فاقتضت حكمته تعالى(٤) التكليفَ ؛ حتّى يصير المكلّف معه أقرب إلى ما فيه مصلحته ، وأبعد عمّا فيه مفسدته ، ووجه حُسْنه التعريض إلى الثّوابِ الشّاملِ للمؤمن المثاب والكافر المستحقّ للعقاب ، لا العوض(٥) ، ولا التفضّلُ ولا الثّوابُ ، فإنّ العوض هو النفع المستحقّ ، والتفضّل هو النفع المقارن للتعظيم ، [والثواب
__________________
و ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٦٨ ، الملل والنحل ١ / ٨٣ ، الأربعين في أُصول الدين ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ، المسائل الخمسون : ٦٠ ـ ٦١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٣ و ٢٣٨ ، شرح المواقف ١٧٣٨ ـ ١٧٤.
(١) سورة النحل ١٦ / ٩٠ ، وهذه الآية لم ترد في «م».
(٢) اللّطف هو : ما عنده يختار المكلّف الطّاعة أو يكون أقرب إلى اختيارها ، ولولاه لما كان أقرب إلى اختيارها مع تمكنّه في الحالين ، الحدود والحقائق للمرتضى : ١٧١ ، الإبانة عن أُصول الدّيانة : ١٨٢ ، الذّخيرة في علم الكلام : ١٨٦ ، تقريب المعارف : ٧٧ ، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرّشاد : ٧٧ ، قواعد المرام في علم الكلام : ١١٧ ، نهج المسترشدين في أُصول الدين : ٥٥ ، اللّوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة : ١٥٣.
(٣) في «ث» : يقتضي الحكمة ، وما أثبتناه من «م» و «ك».
(٤) في «ث» لم ترد.
(٥) في «ث» : للعقاب المعوض ، وما أثبتناه من «م» و «ك».