العلم ، وهم الأولياء الذين قال فيهم الغزالي : إن لم يكن العلماء هم أولياء الله فليس لله من ولي ، والعلماء هم العارفون المكاشفون المحققون ، ورثة رسول الله والخلفاء الذين يعتلون سدة الخلافة كابرا عن كابر ، وكلهم مظهر اسمه تعالى العليم.
٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥))
[الحج : ٥]
الخلق درجات ، وأوله خلق الجسم من تراب ثم من نطفة ، وهذا الخلق هو المتعلق بعالم الروح الحيواني حيث يمكن أن يدرج كل ذي روح في نطاق جسم حيواني كلي سبق لنا أن فصلنا الكلام فيه في كتابنا الإنسان الكامل والإنسان الكبير.
والإقرار في الأرحام هو إقرار المعنى ، إذ الاسم معنى ، وكل معنى له مبنى يحمله ويظهره ، وهذا ما يفعله الحق حين يخلق الإنسان من نطفة ، ثم يجعله حاملا لاسم من أسمائه.
والإخراج إخراج ما هو بالقوة من الاسم إلى ما هو بالفعل ، وهذا الذي جعل أرسطو يعرف النفس بأنها كمال أول ، أي أن لكل نفس كمالا أول أي مبدأ تسعى إلى تحقيقه طوعا أو كرها عالمة أو جاهلة بل هي إلى الجهل أقرب ، فما يقع من فتق للاسم هو أشبه بالغريزة التي تجعل الرضيع يلتقف ثدي أمه ، ثم يحاول النطق فالوقوف على ساقيه ، فالزحف فالمشي ، وهذا هو ما عبر عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : (كل ميسر لما خلق له).
أما التوفي والارتداد إلى أرذل العمر فهما حال الصوفية الذين أبعدوا في علم بحر الأسماء حتى غرقوا في بحر علومهم ، وبلغوا مقاما أخيرا سمي الحيرة الذي هو نهاية رحلة العلم حيث تتمر أى صور الله في كل مظاهر الوجود سوداء وبيضاء ، جليلة ، وجميلة ، وقيل : العارف يرى في الوجود حكمة بينما لا يرى الفاني إلا قدرة ... والسبب أن عملية فتق الأسماء دورية ، ويحققها الإنسان في كل ساعة من حياته .. ثم إن لهذه الأسماء أجلا إذا بلغته ارتدت فتقوقعت وتخنذقت على نفسها من جديد ، ولهذا قال عليهالسلام لما توفي معاذ بن جبل : هكذا يقبض العلم ، ولا يرى الفاني في هذه العملية إلا قدرة إلهية حية ذات ديمومة تظهر في هذه الصيرورة الحية المسماة أسماء أي المعاني وبشرا أي المباني.