والأرض الهامدة النفس الجزئية أسيرة عالم الحس ، حتى إذا أنزل الحق عليها ماء رحمته من العلوم الإلهية اهتزت وربت وآتت أكلها طيبة من المعقولات التي قلنا إنها لله ، وإن الله يستخدمها في معادلات علمية لها صور تعلم الإنسان ما لم يعلم.
وقوله : (زَوْجٍ بَهِيجٍ ،) يعني المعقولات نفسها ، فالله سبحانه هو القائل في موضع آخر : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود : ٤٠] ، والإنسان نفسه مخلوق من زوجين اثنين كما قال سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف : ١٨٩] ، فليس في الوجود إلا الزوجان الإثنان وبسبب هذه الازدواجية عانى الإنسان من غربته في عالم العناصر ، وكدح إلى ربه كدحا ليلاقيه ، فالإنسان يصارع الدنيا ظاهرا ونفسه باطنا ، وينتزع قوته من المعقولات المعلومات عن طريق الصراع أيضا ، ولهذا كان ابن آدم متعبا جاهدا ، ولهذا قالت الصوفية : توقع الأكدار ما دمت في هذه الدار ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ، وبشر سبحانه عباده الصالحين برحمة منه ، ورحمته تقريب الإنسان منه ، وما هو عنه ببعيد ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد ، حتى إذا أذن المؤذن لصلاة فجر اليقين انكشف الزوجان عن وجود واحد فقط هو الروح باطنا.
٦ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦))
[الحج : ٦]
كل بني آدم موتى إلا من أحياهم الحق كما أيقظ أهل الكهف من سباتهم في كهف البدن.
والأحياء هم الذين عند ربهم يرزقون العلوم الحقيقية ، والله هو المحيي وهو المميت ، ولا حياة ولا موت إلا بالعلم والرفع والتقريب ، فالإنسان ميت ما ظل بعيدا عن الله ومحجوبا ، وهو حي إذا قرب ولم يعد يحجبه عن الله حجاب.
٧ ـ (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧))
[الحج : ٧]
القبر بمثابة البدن ، والبدن الكهف ، فالقبر الكهف ، والله هو الباعث الرافع المعز ، يحيي من في القبور من عباده الذين اصطفى واصطنع ليشهدهم أين هو ، وكيف يكون بالمعية ، وكيف يكون أقرب إلى الإنسان من قلبه ، بل هو قلبه وزوجاه وروحه ونفسه وقوى حواسه وما يعلم.
٨ ، ٩ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩))
[الحج : ٨ ، ٩]
قوله : (ثانِيَ عِطْفِهِ ،) يعني لاوي عنقه ، والعنق تحمل الرأس ، وفي الرأس الدماغ ، وفي