الدماغ فعل الروح الذي تحدثنا عنه قبل قليل ، فليس في هذا الهيكل إلا الله ، هو الذي اتخذ من القلب مكانا للنجوى والمخاطبة وما وسعته سبحانه السموات ولا الأرض ولا الجبال ووسعه قلب الإنسان ، وأي إنسان؟ ذلك الذي لم يثن عطفه ، أي لم يلو عنقه راغبا عن الله ، سارقا عاريته الموجودة في الدماغ وفي الروح الحيواني وفي الحواس ظاهرة وباطنة مدعيا أنها له ، وهي ليست له ، وكيف تكون له وهو لم يكن شيئا ثم كان شيئا هو هذا الوجود الحق الذي وهبه سمعه وبصره وفؤاده ووعيه وإدراكه ، أنشد العارف بالله عبد الغني النابلسي :
نحن في ذاتنا وفي العلم أيضا |
|
والكلام النفسي أصل التناجي |
عدم نحن في الثلاث وأما |
|
هو فهو الوجود عقلة تاج |
ما ظهرنا به سوى بكلام |
|
أزلي يضيء في ظل داجي |
وهو أيضا مراتب ليس تخفى |
|
عن إمام مكمل المعراج |
رتبة الذات قبل رتبة العلم |
|
بعدها رتبة الكلام المناجي |
١٠ ـ (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))
[الحج : ١٠]
لا يطالب الله الناس بأكثر مما في نفوسهم وفي طبيعة استعدادهم ، وعند ما توجه الاسم الرحمن إلى الانتشار نشر المعقولات والمفاهيم ، التي هي حقيقته ومعناه فخرج الإنسان صورة هذه المعقولات والمفاهيم ، فكيفما كنت عليه من طبع فأنت هو ذلك المعقول المفهوم ، وعلى هذا الأساس يعامل الحق الخلق باعتباره أصلهم وباعتبارهم صورته ، فما ظلم الله أحدا لما وهبه اسمه ، وما سأل أحدا شيئا لم يطبع عليه.
واليدان هما كالقدمين ، وهما تمثيل للحقيقة الإنسانية الجامعة للحق والخلق ، فيد هي الأصل ، ويد هي الفرع ، الأولى قديمة والثانية محدثة ، يد تعطي مفهوما والثانية تأخذ من ذلك المفهوم ، فمسؤولية الإنسان محصورة في أن يأخذ من الله وإليه بكلتا يديه ، وأنشد ابن عربي قائلا :
فلولاه ولولانا |
|
لما كان الذي كانا |
فإنا أعبد حقا |
|
وإن الله مولانا |
وإنا عينه فاعلم |
|
إذا ما قلت إنسانا |
فلا تحجب بإنسان |
|
فقد أعطاك برهانا |
فكن حقا وكن خلقا |
|
تكن بالله رحمانا |