وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)
____________________________________
[٧٢] (وَحَسِبُوا) أي ظن هؤلاء اليهود الذين كذبوا الأنبياء عليهمالسلام وقتلوهم (أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي لا يسبب قتل الأنبياء عليهمالسلام وتكذيبهم فتنة ، كما هو شأن كل من يقدم على جرم كبير يظن أن الأوضاع تبقى على ما يشتهي ، منتهى الأمر أن ما صدر عن بعض شهواته يزول ويمحى عن الوجود مع أن الأمر بالعكس ، فإن بقاء المجتمع سليما من الأخطار والآفات إنما هو بانتهاج تعاليم الأنبياء ، فإذا أزيح النبي عن القيادة والتوجيه إما بقتله أو تكذيبه ، فإنه سوف تحل بالمجتمع أشد الكوارث ، وتقع أعظم الفتن (فَعَمُوا وَصَمُّوا) عن مناهج الرشد ، بقتلهم الأنبياء وتكذيبهم ، فإن الإنسان يبصر طريقه ويسمع الحق الذي ينفعه ما دام هناك نور يضيء ، ومرشد يدعو ، أما إذا أزال النور ، وأزاح المرشد ، فإنه يعمى عن طريقه حتى يقع في المهالك ، ويصم عن الحق حتى تحلّ به الكوارث (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بإرسال أنبياء آخرين ، والمراد «التوبة» على هذا الجنس لا خصوص من قتل منهم الأنبياء (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) أيضا عن الحق ، بأن تركوا تعاليم الأنبياء وأخذوا يتيهون في الضلالة (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) إذ بعضهم آمن واهتدى ، ولفظة «كثير» بدل «بعض» عن «كل» لا فاعل ثان (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) فيجازيهم على ما اقترفوا من الآثام واحتقبوا من الاجرام.
[٧٣] هكذا كان حال اليهود ، حيث كفروا بعد أن أرشدهم الله الطريق ، أما النصارى فإنهم كإخوانهم اليهود في العمى عن الحق بعد الرشاد