قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ
____________________________________
الأول : كيف يصدر مثل هذا الترك من الأنبياء ولهم المقام الرفيع؟
الثاني : إن هذا فتح لباب التأويل وارتكاب خلاف الظاهر ولا داعي له؟
والجواب عن الأول : أن ذلك لئلّا يعتقد البشر ألوهية الأنبياء ، فإن من عادة البشر الغلو بالنسبة إلى القديسين ، وذلك ضد الغلو ، وإن غالى بعض الضعاف أيضا.
والجواب عن الثاني : إن فتح هذا الباب مما لا بد منه ، فإن الكلام مشتمل على المجاز والكناية وما أشبه ـ حتّى بالنسبة إلى كلام البشر العادي ، فكيف بالبلغاء ـ وإلّا لزم القول بالتجسيم لقوله سبحانه : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) ، والظلم لقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) (٢) ، والكذب لقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) (٣) ، إلى غير ذلك. وقد جرت قوانين البلاغة على أن يصرف الكلام إلى المراد منه ، وإن كان خلاف الظاهر اللفظي ، إذا دل دليل من العقل والنقل على المراد ، أما إذا لم يكن هناك دليل ، أخذ بظاهر الألفاظ.
[٢٥] (قالَ) الله سبحانه لآدم وحواء وإبليس : (اهْبِطُوا) من الجنة هبوطا نحو الأسفل حيث كانت الجنة أعلى من الأرض ، أو هبوطا رتبيّا ، إن كانت من جنان الدنيا (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فالشيطان عدوّ لهما وهما عدوّان له ، وبين المرأة والرجل تنافس وتجاذب (وَلَكُمْ) جميعا (فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أي محل قرار (وَمَتاعٌ) تتمتعون به من المأكل
__________________
(١) القيامة : ٢٤.
(٢) النساء : ٨٩.
(٣) الأنفال : ١٨.