وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)
____________________________________
المنهي عنه وأكل الشجرة (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) أي تستر علينا ، وهو كناية عن العفو عما صدر (وَتَرْحَمْنا) أي تتفضل علينا برحمتك (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين خسروا بعض درجاتهم. وحيث تقرر عقلا ونقلا أن الأنبياء معصومون ، كان اللازم القول بعدم كون أكل الشجرة معصية إطلاقا ، وإنما كان النهي للإرشاد ، كما يقول الطبيب للمريض : «لا تشرب هذا المائع فيطول مرضك» ، فإنه نهي للإرشاد ، ويكون ارتكابه موجبا لطول المرض فقط ، وليس هذا مما يوجب العقاب.
وكذلك كان النهي بالنسبة إلى أكل الشجرة ، لأنه كان لإرشادهما إلى البقاء في الجنة أبدا ، كما قال سبحانه : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١) ، وكان الأكل موجبا للخروج من الجنة ، ولقاء مشاكل الدنيا ، والظلم ـ كما تقدم ـ هو وضع الشيء في غير موضعه ويلائم ارتكاب المنهي إرشادا ، كما يلائم القبيح ، كما أن الغفران هو الستر ، وهو يلائم العصيان ويلائم ارتكاب المنهي الإرشادي ، والخسران يلائم عدم الربح المتوقع ، ولذا يقول التاجر : «خسرت» فيما إذا لم يربح المتوقع. ألا ترى أن المريض إذا ارتكب ما يسبب طول مرضه ، يقول للطبيب : «اشتبهت ، فتدارك الأمر ، وإلا خسرت صحتك في هذه المدة» ولم يكن ذلك عصيانا إطلاقا. ومن هنا اشتهر في تسمية هذا النوع من الخلاف ب «ترك الأولى» أي أن الأولى كان عدم الارتكاب ، وهنا سؤالان :
__________________
(١) طه : ١١٩ و ١٢٠.