قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ
____________________________________
ولأنّه يحرم فيه القتال والصّيد وغيرها (قِياماً لِلنَّاسِ) مفعول ثان ل «جعل» أي جعل الله الكعبة لقيام النّاس ، بأن تقوم أمورهم ، وتستقيم أحوالهم ، اقتصاديّا واجتماعيّا ، وغيرهما ، كما ذكر في فلسفة الحجّ (١).
(وَ) جعل الله (الشَّهْرَ الْحَرامَ) قياما للناس ، فأشهر الحرم : وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ، تقوم أمور الناس واجتماعهم ، إذ تخفّف عن كواهلهم عبء الحروب ، والمخاصمات وتسبب الأمن والهدوء ، مما يروّج الاقتصاد ، ويهيئ الجوّ الملائم للتفاهم وغيرها ، فالبيت الحرام أمن في المكان ، والشهر الحرام أمن في الزمان ، وقد جعل سبحانه الأمن متعديا إلى خارج هذه الحدود فجعل (وَالْهَدْيَ) أي محترما لا يمس بسوء ، وهو ما يهدى إلى الكعبة بإشعار أو تقليد (وَالْقَلائِدَ) جمع قلادة أي ما تقلّدها ـ بعلاقة الحال والمحل ـ أي جعل القلائد محترمة لا تمس بسوء. والمراد بالقلائد إما الحيوان الذي يقلّد ، أو الإنسان الذي يحرم فيقلد نفسه. قالوا : كان الرجل يقلّد بعيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحرم فلا يخاف.
ولا يقال : أن غير الهدي والقلائد أيضا محترم لأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره أو بدن غيره فما معنى الاختصاص هنا؟
لأن الجواب ظاهر : فإن الهدي لا يجوز أن يمس ، وإن جاز مسّه لو لا كونه هديا بسبب الاقتصاص والإفلاس ونحوهما ، كما أنه لا يجوز أن يتعدّى على المحرم بما يجوز التعدي عليه في غير حال الإحرام ، فلا يجوز أخذ المحرم وحبسه ولو كان بحق ـ إذ الواجب إتمام العمرة
__________________
(١) راجع كتاب «عبادات الإسلام» للمؤلف.