قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠)
____________________________________
(قالَ) لهم : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي) أي عملتم خلفي (مِنْ بَعْدِي) أي بعد ذهابي إلى الميقات ، فإن عملكم بعدي كان عملا سيئا (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) أي استعجلتم قضاء الله وعقابه ، فكأن العاصي لا بد وأن يلاقي العقاب ، فإذا فعل فعلا شنيعا استعجل العقاب (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) المكتوب فيها التوراة من يده تضجرا من عملهم (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) هارون (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) إما لينحّيه ناحية فيناجيه في أمر القوم ، وإما إظهارا للغضب ، ولم يكن ذلك إلا استنكارا عمليا لعمل القوم ، كما يصيح الوالد على ولده البريء ، فيما إذا عمل بعض أهل البيت عملا مخالفا ، يريد بذلك إظهار غضبه على عملهم.
(قالَ) هارون : يا (ابْنَ أُمَ) هذه الكلمة للاستعطاف لأن ذكر الأم يشع في النفس حنانا ولينا ، وقد قصد هارون بهذا التعبير التسكين من غضب موسى عليهالسلام (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) أي اتخذوني ضعيفا ، فلم يعملوا بكلامي (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) أي همّوا بقتلي حين شددت عليهم في استنكاري عليهم عبادة العجل (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) فإن فعلك هذا يوهم أنك غاضب عليّ فيفرح الأعداء حيث يظنون أنهم ألقوا الخلاف بين الأخوين وجعلوني مغضوبا عليه في نظرك. ومعنى الشماتة : إظهار الفرح بوقوع عدوهم في المحذور (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)