كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ
____________________________________
قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (١) ، (كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) فإنه سبحانه خلقهم ليعبدوه ويدخلوا جنته كما قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٢) ، وقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (٣) ، لكنهم بسوء أعمالهم أوجبوا لأنفسهم الشقاء ودخول النار. والكلام تعقيب لما تقدم في الآية السابقة من ضرب الأمثال للكفار ، فكأنه قال : «مثلهم ذلك ، ومصيرهم هذا». ثم إنه يدل على أن مصير «فلان» النار بهذه العلائم ف (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) أي لا يفهمون الحق بسببها ، والمراد عدم إذعانهم للحق ، لأن التارك والجاهل سواء ، فقد قال سبحانه : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (٤) ، (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) الرشد ، وإن رأوا بها الأمور المادية ، فإن التارك للطريق والأعمى سواء (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) الوعظ والإنذار سماعا مفيدا ، وإن سمعوا ألفاظهما ، فإن من لا يستجيب للوعظ هو والأصم سواء.
(أُولئِكَ) الأشخاص (كَالْأَنْعامِ) من الإبل والبقر والغنم ، فكما أنها لا تفقه ولا تبصر الرشد ، ولا تسمع إلى الوعظ كذلك هؤلاء (بَلْ هُمْ أَضَلُ) من البهائم لأنها تهتدي إلى مصالحها ومفاسدها وتنبعث إذا
__________________
(١) القصص : ٩.
(٢) الذاريات : ٥٧.
(٣) النساء : ٦٥.
(٤) النحل : ٨٤.