إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ
____________________________________
الوالدة بالعفاف والطهارة وغيرهما ، من أعظم النعم على الولد ، فهي مما تستحق الشكر. ثم فسر سبحانه بعض نعمه بقوله : (إِذْ أَيَّدْتُكَ) أي قويتك ونصرتك (بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي الروح المنزّه عن الأدران ، وهو جبرئيل عليهالسلام أو ملك آخر ، أو روح منفوخة فيه تحفظه عن الزلل فإن الأنبياء والأئمة مزوّدون بروح طاهرة تحفظهم وترشدهم بأمر الله سبحانه (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) أي في حال كونك صبيا فإنه عليهالسلام ، قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ...) (١) (وَكَهْلاً) أي في حال كونك كهلا ، وهو قبل سن الشيخوخة ، وهذا من تتمة الكلام ، يعني أنك تكلم الناس في الحالين ، لا كسائر الناس الذين لا يتكلمون إلا في حالة واحدة.
(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) أي جنس الكتاب المنزل من السماء ، فإنه كانت كتب نازلة على الأنبياء السابقين وقد كان عليهالسلام تعلمها بتعليم الله سبحانه (وَالْحِكْمَةَ) وهي معرفة الأشياء على واقعها ، فإن معرفة الكتب غير معرفة الحكمة ، وأن يكون الإنسان بحيث يعلم الأمور ومواضعها (وَالتَّوْراةَ) وهي الكتاب المنزل على موسى عليهالسلام (وَالْإِنْجِيلَ) وهو الكتاب المنزل على المسيح نفسه عليهالسلام (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي على قالب الطير وهيكله. ومن المعلوم أن هذا النحو من
__________________
(١) مريم : ٣١ و ٣٢.