وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً
____________________________________
الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله ويغلبه ويردّه عمّا هو فيه ، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليه من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدا لهم إذا قدم عليهم بعد ذلك.
فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد «قبا» فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى تبوك وجاءوا فسألوا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من الصلاة فيه ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا على سفر ولكن إذا رجعنا إن شاء الله. فلما قفل صلىاللهعليهوآلهوسلم راجعا إلى المدينة من تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه الوحي بخبر مسجد «ضرار» وما أبطن بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم ـ مسجد قبا ـ فأرسل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من هدم المسجد وأحرقه ، وأمر أن يتخذ مكانه كناسة يلقى فيها الجيف والقمامة ، وردّ الله كيده ، فأصاب أبا عامر قبل رجوعه إلى المدينة بالقولنج والبرص والفالج واللّقوة ، وبقي أربعين يوما في عذاب الدنيا ، ثم هلك إلى عذاب السعير (١). وفي هذه القصة نزلت هذه الآيات :
(وَ) منهم (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) أي بنوا (مَسْجِداً) وهو اسم لبقعة يتّخذ للصلاة ، وإن كان أصله بمعنى موضع السجود (ضِراراً) أي مضارّة ، فإنه مصدر من باب «المفاعلة» ، يقال : «ضارّ ضرارا وضيرارا» ،
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري : ص ٤٨٧.