وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً
____________________________________
وهنا سؤال : إن هذا لا يكون جوابا للكفار ـ على هذا المعنى ـ إذ لهم أن يقولوا : فليغيّر الله سنته ، بأن ينزل الملك ويبقينا حتى نؤمن؟ وسؤال ثان : لماذا جرت سنة الله على ذلك ، أليس هداية الناس غاية الخلقة ، فما المانع من توفر أسباب الهداية بإنزال الملك؟
والجواب عن الأول : إن سنة الله جرت على الهلاك عقب مجيء الملائكة ، كما جرت سنته على الإحراق عقيب الإلقاء في النار ، وليس للكفار أن يشكلوا بهذا الإشكال ، إذ يقول النبي : ولماذا تريدون نزول الملائكة؟ أللعناد؟ فلا داعي إلى إجابتكم ، أم لأنه خارق والإتيان بالخارق موجب للتصديق؟ فقد أتيت بالخوارق ، أم لأنه خارق خاص؟ فالخارق الخاص لا يلزم إجابته لدى العقل والعقلاء ، وهذا كما إذا حمل الطبيب شهادة الكلية فيقول له المريض : ائتني بشهادة رئيس الحكومة ، إنه سؤال سخيف لدى العقلاء ..
والجواب عن الثاني : إنه سبحانه علم عنادهم وأنه لا يفيد معهم إنزال الملك ، كما بيّن ذلك في قوله (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً) (١) ، وما كان يمنعهم أن يقولوا أن ما يشاهدونه من صورة الملك إنما هو سحر مبين!
[١٠] ثم بيّن سبحانه وجها آخر لعدم إجابة اقتراحهم (وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم (مَلَكاً) منزلا من السماء (لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي في صورة رجل ، فإن خلقة البشر غير مستعدة لرؤية الملك في صورته ، إلا إذا بدّلت صورته إلى صورة إنسان وواقع ملك ، وذلك لا يفيد اقتراحهم ، فإن الملك جرم لطيف لا تراه أعين البشر ، كما لا يرى
__________________
(١) الأنعام : ٨.