وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ
____________________________________
أي نورا بالنهار ، ليستفيد منه الإنسان والحيوان والنبات وسائر المخلوقات الأرضية ، ولولاها لم يكن ذو روح على وجه البسيطة (وَالْقَمَرَ نُوراً) بالليل ، قالوا : والضياء أبلغ في كشف الظلمات من النور ، وإن كان يطلق كل منهما على الآخر ، إلا أنهما إذا اجتمعا دلّ الأول على زيادة.
إن هذا البرهان كاف للإنسان العادي الذي لا يعرف إلا الفطرة السليمة ، كما أنه كاف لأكبر الفلاسفة دقة ، وكذلك جميع آيات القرآن ، فهي في حين تقنع الإنسان البسيط تكون أقوى الحجج للمنطقي والفلسفي والمجادل. فمن يأتري خلق هذه الأشياء؟ هل أنها صنعت نفسها؟ إن هذا لا يمكن أبدا ، أم صنعها جاهل عاجز؟ وهذا كالسابق في الاستحالة. فلا بد وأن يكون صانعها عالم قدير ، وليس هو إلا الله سبحانه.
(وَقَدَّرَهُ) أي قدر القمر (مَنازِلَ) بأن جعل له منازل ، ينزل في أحدهما بعد الآخر حتى يكمل الدور ، وقوله «قدره» إما بحذف «اللام» أي «قدر له» ، وإما مجاز لعلاقة الحال والمحل ، فقد نسب ما للمحل إلى الحال. وإنما قدره منازل (لِتَعْلَمُوا) بالقمر ومنازله (عَدَدَ السِّنِينَ) فإن السنة تتكون من اثني عشر شهرا ، والشهر لا يكون إلا بحركة القمر من منزل إلى منزل (وَالْحِسابَ) حتى تعرفوا أي يوم أول الشهر وأي يوم آخره ، وتضبط بذلك الحسابات والمواعيد. وقد كان القمر والشهور خير وسيلة للعالم والجاهل للضبط والتقدير ، أما سائر الحسابات فهي غير محسوسة بالإضافة إلى كونها خاصة بالعالم.