قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ
____________________________________
ألهمه الله تعالى علم تعبير الرؤيا فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم (١).
أقول : وكأن ذلك العلم صار شعارا لمن منع نفسه عن الشهوة الجنسية ، فقد قالوا : أن ابن سيرين كان تلميذا عند بزاز وكان جميلا جدا وفي ذات يوم جاءت امرأة واشترت من البزاز أجناسا ثم حمّلتها الفتى ليأتي بها إلى بيتها ، ولما أن دخلا الدار أغلقت الباب وقالت : هيت لك. قال ابن سيرين ـ لما لم يجد حيلة للفرار منها ـ : ائذني لي بالبراز لأقضي حاجتي ثم بعد ذلك أنت وشأنك. ولما أن دخل المرحاض لوث نفسه بالنجاسة ، فلما خرج ورأته المرأة بتلك الحالة عافته استقذار له ، ومن ذلك الحين وهب الله له علم الرؤيا.
[٣٨] وهنا أراد يوسف عليهالسلام أن يرشد الفتيين إلى الطريقة الصحيحة كما هو عادة الأنبياء والمرشدين حتى ينتهزوا كل فرصة لنشر الدين وتبليغ رسالة الله سبحانه ، وقد أراد أن يقدم لذلك مقدمة مطمئنا بصحة ما يدعو إليه ، فإن غالب الناس إذا رأوا من أحد خارقة أو ما أشبهها اطمأنوا إليه وصدقوا كلامه ، بخلاف ما لو كان الكلام مجرد منطق ودليل ، فإن الناس ينظرون إلى القائل لا إلى القول.
ولذا بدأ يوسف يبين لهم أنه يعرف بعض أمور الغيب بتعليم الله له ، فبإمكانه أن يخبر عن الطعام الذي يؤتى به لهما قبل أن يؤتى به ف (قالَ لا يَأْتِيكُما) أيها الفتيان (طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) لأجل أكلكما ورزقكما (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) آتي بصفة ذلك الطعام وسائر خصوصياته ، وإنما قال «بتأويله» لأن الطعام يؤول إلى تلك الصفة ، فمثلا اللحم المعد للطعام يؤول إلى «الكباب» أو «المرق» أو ما أشبههما ، وقد لوحظ في
__________________
(١) تفسير العياشي : ج ٢ ص ١٧٦.