فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))
تعرّف إلى قلوب الطالبين من أصحاب الاستدلال وأرباب العقول بدلالات قدرته ، وأمارات وجوده ، وسمات ربوبيته التي هى أقسام أفعاله. ونبههم على وجود الحكمة ودلالات الوحدانية بما أثبت فيها من براهين تلطف عن العبارة ، ووجوه من الدلالات تدقّ عن الإشارة ، فما من عين من العدم محصولة ـ من شخص أو طلل ، أو رسم أو أثر ، أو سماء أو فضاء (١) ، أو هواء أو ماء ، أو شمس أو قمر ، أو قطر أو مطر ، أو رمل أو حجر ، أو نجم أو شجر ـ إلا وهو على الوحدانية دليل ، ولمن يقصد وجوده سبيل.
قوله جل ذكره : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ)
هؤلاء قوم لم يجعلهم الحق سبحانه أهل المحبة ، فشغلهم بمحبة الأغيار حتى رضوا لأنفسهم أن يحبوا كل ما هوته أنفسهم ، فرضوا بمعمول لهم أن يعبدوه ، ومنحوت ـ من دونه ـ أن يحبوه.
قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ).
ليس المقصود من هذا ذكر محبة الأغيار للأصنام ، ولكن المراد منه مدح المؤمنين على محبتهم ، ولا تحتاج إلى كثير محبة حتى تزيد على محبة الكفار للأصنام ، ولكن من أحبّ حبيبا استكثر ذكره ، بل استحسن كل شىء منه.
ويقال وجه رجحان محبة المؤمنين لله على محبة الكفار لأصنامهم أن (هذه) محبة الجنس
__________________
(١) وردت (قضاء) فى ص.