فأمّا من دونهم فتنوّع أحوالهم من حيث الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة. ومن فوق الجميع فأصحاب البقاء والفناء ، والصحو والمحو ووراءهم أرباب الحقائق مثبتون فى أوطان التمكين ، فلا تلوّن لهم ولا تجنّس لقيامهم بالحق ، وامتحائهم عن شواهدهم.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))
أثبت لهم عندية الكرامة ، وحفظ عليهم أحكام العبودية لئلا ينفك حال جمعهم عن نعت فرقهم (١) ، وهذه سنّة الله تعالى مع خواص عباده ؛ يلقاهم بخصائص عين الجمع ويحفظ عليهم حقائق عين الفرق لئلا يخلّوا بآداب العبودية فى أوان وجود الحقيقة (٢).
السورة التي تذكر فيها الأنفال
قال الله تعالى :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بسم الله إخبار عن قدرته على الإبداع والاختراع ، الرحمن الرحيم إخبار عن تصرفه بالإقناع وحسن الدّفاع ؛ فبقدرته أوجد ما أوجد من مراده ، وبنصرته وحّد من وحّد
قوله جل ذكره : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)
الأنفال هاهنا ما آل إلى المسلمين من أموال المشركين ، وكان سؤالهم عن حكمها ، فقال الله تعالى : قل لهم إنها لله ملكا ، ولرسوله ـ عليهالسلام ـ الحكم فيها بما يقضى به أمرا وشرعا.
__________________
(١) وردت فوقهم بالواو والصواب (فرقهم) بالراء ، فالكلام عن الجمع والفرق.
(٢) لاحظ هنا كيف يلح القشيري دائما على عدم الإخلال باى شرط من شروط الشريعة مهما أوغل العبد فى الفناء ، بل يعتبر حفظ الله لعبده في هذه المرحلة الحاسمة علامة صدق العبد وآية خصوصيته.