قوله جل ذكره : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢))
الإشارة فيه : أن من تفرّس (١) فى بعض المريدين ضعفا ، أو رأى فى بعض (٢) أهل البداية رخاوة قصد أو وجد بعض الناصحين يتكلم بالصدق المحض على من لم يحتمله ـ فرأى أن يرفق بذلك المريد بما يكون ترخيصا له أو استمالة له أو مداراة أو رضا بتعاطى مباح ـ فلا بأس به فإن حمل الناس على الصدق المحض مما لم يثبت له كثير أجر. فالرّفق بأهل البداية ـ إذا لم يكن لهم صارم عزم ، ولا صادق جهد ـ ركن فى ابتغاء الصلاح عظيم.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣))
الصوم على ضربين : صوم ظاهر وهو الإمساك عن المفطرات مصحوبا بالنية ، وصوم باطن وهو صون القلب عن الآفات ، ثم صون الروح عن المساكنات ، ثم صون السّرّ عن الملاحظات.
ويقال صوم العابدين شرطه ـ حتى يكمل ـ صون اللسان عن الغيبة ، وصون الطرف عن النظر بالريبة كما فى الخبر : (من صام فليصم سمعه وبصره ...) ... الخبر (٣) ، وأما صوم العارفين فهو حفظ السر عن شهود كل غيره.
وإن من أمسك عن المفطرات فنهاية صومه إذا هجم الليل ، ومن أمسك عن الأغيار فنهاية صومه أن يشهد الحق ، قال صلىاللهعليهوسلم : «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» : الهاء فى قوله
__________________
(١) وردت بالصاد وهى خطأ من الناسخ.
(٢) وردت (فى أهل بعض البداية) وواضح أنها خطأ من الناسخ.
(٣) (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك : معناه من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه).
رواه البخاري وأصحاب السنن عن أبى هريرة.