فليمهل حتى تقوى عزيمته وتشتد إرادته ، فعند ذلك يستدرك منه ما رخّص له بالأخذ بالتأويل ، وتلك سنّة الله سبحانه وتعالى فى التسهيل على أهل البداية ، ثم استيفاء ذلك منهم واجب فى آخر الحال.
قوله جل ذكره : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) (١) (............ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
الإشارة منه أنّ من فيه بقية من القوة للوقوف لمطالبات الحقيقة ويرجع إلى تسهيل الشريعة وينحط إلى رخصة التأويل فعليه الغرامة بواجب الحال وهو الخروج عما بقي له من معلوم مال أو مرسوم حال ويبقى مجردا للواحد.
[فصل] ويقال إنه لما علم أن التكليف يقتضى المشقة خففه عليك ذلك بأن قلّل أيام الصوم فى قلبك فقال : «أياما معدودات» أي مدة هذا الصوم أيام قليلة فلا يهولنكم سماع ذكره ، وهذا كقوله تعالى : وجاهدوا فى الله حق جهاده. ثم قال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي لا يلحقكم كثير مشقة فى القيام بحق جهاده.
قوله جل ذكره : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
رمضان يرمض ذنوب قوم ويرمض رسوم قوم ، وشتان بين من تحرق ذنوبه رحمته وبين من تحرق رسومه حقيقته.
__________________
(١) وقع الناسخ فى سهو حين أعاد ثلاثة أسطر مما سبق له أن كتبه ، ووقعت هذه الأسطر المعادة بين كلمتى (فدية ، وطعام) فى الآية الكريمة.