(أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) لأن الحقّ أحقّ ، ولأنك قد تستوحش كثيرا عن أبيك ، والحقّ سبحانه منزّه عن أن يخطر ببال من يعرفه أنه بخلاف ما يقتضى الواجب حتى إن كان ذرة.
وقوله (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) الأب على ما يستحقه والرب على ما يستحقه.
قوله جل ذكره : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا(١) وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ).
خطاب لوقاله مخلوق لك كان شاكرا (٢) ، ولو أنه شكا منك كما شكا إليك لساءت الحالة ، ولكن بفضله أحلّك محل أن يشكو إليك فقال : من الناس من لا يجنح قلبه إلينا ، ويرضى بدوننا عنّا ، فلا يبصر غير نفسه وحظّه ، ولا يمكن إيمان له بربه وحقّه.
قوله جل ذكره : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١))
إنما أراد بها حسنة تنتظم بوجودها جميع الحسنات ، والحسنة التي بها تحصل جميع الحسنات فى الدنيا ـ حفظ الإيمان عليهم فى المآل ؛ فإنّ من خرج من الدنيا مؤمنا لا يخلد فى النار ، وبفوات هذا لا يحصل شىء. والحسنة التي تنتظم بها حسنات الآخرة ـ المغفرة ، فإذا غفر فبعدها ليس إلا كل خير.
ويقال الحسنة فى الدنيا العروف عنها ، والحسنة فى الآخرة الصون عن مساكنتها. والوقاية من النار ونيران الفرقة إذ اللام فى قوله «النار» لام جنس فتحصل الاستعاذة عن نيران الحرقة ونيران الفرقة جميعا.
ويقال الحسنة فى الدنيا شهود بالأسرار وفى الآخرة رؤية بالأبصار.
ويقال حسنة الدنيا ألا يغنيك عنك وحسنة الآخرة ألا يردك إليك.
__________________
(١) التبس على الناسخ نقل هذه الآية بالآية التي تليها فوضع هنا (حسنة) وهى زائدة.
(٢) نرجح أنها (شاكيا) فى الأصل.