«قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» يعنى فى قبضة الحق سبحانه ، وتحت تغليبه وتصريفه ، والمراد منه «القدرة» ، وشتّان بين أمة سكينتهم فيما للأعداء عليه تسلّط وأمة سكينتهم فيما ليس لمخلوق عليه سلطان.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (٢٤٩))
الإشارة من هذه الآية أن الله سبحانه ابتلى الخلق بصحبة الخلق وبالدنيا وبالنّفس ، ومن كانت صحبته مع هذه الأشياء على حدّ الاضطرار بمقدار القوام ، وما لا بد منه نجا وسلم (١) ، ومن جاوز حد الاضطرار وانبسط فى صحبته مع شىء من ذلك من الدنيا والنفس والخلق بموجب الشهادة (٢) والاختيار ـ فليس من الله فى شىء إن كان ارتكاب محظور ، وليس من هذه الطريقة فى شىء إن كان على جهة الفضيلة وماله منه بد.
ثم قال جل ذكره : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
كذلك الخواص فى كل وقت يقل عددهم ولكن يجل قدرهم.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ).
فنظروا إلى الحال بعين الظاهر فداخلهم شىء من رعب البشرية ، فربط الله على قلوبهم بما ذكرهم من نصرة الحق سبحانه لأوليائه إذا شاء.
__________________
(١) هذه درجة فى الاعتدال يتسم بها مذهب القشيري ، يوفق بها بين الشريعة والحقيقة فى النظر إلى الدنيا والنفس والناس فى عرف أرباب القلوب.
(٢) أي أن يشهد الدنيا والنفس والخلق في شىء من الأشياء والواجب أن يشهد الله فى كل شىء ، غير أننا لا نستبعد أنها ربما كانت فى الأصل (الشهوة) أي أنه ليس من الله فى شىء من ينظر إلى هذه الأمور بشهوة واختيار.