والإشارة من هذا أن حياة القلب لا تكون إلا بذبح هذه الأشياء يعنى النفس ؛ فمن لم يذبح نفسه بالمجاهدات لم يحى قلبه بالله.
وفيه إشارة أيضا وهو أنه قال قطّع بيدك هذه الطيور ، وفرّق أجزاءها ، ثم ادعهنّ يأتينك سعيا ، فما كان مذبوحا بيد صاحب الخلة ، مقطعا مفرّقا بيده ـ فإذا ناداه استجاب له كل جزء مفرّق .. كذلك الذي فرّقه الحق وشتّته فإذا ناداه استجاب :
ولو أنّ فوقى تربة ودعوتني |
|
لأجبت صوتك ، والعظام رفات |
قوله جل ذكره : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١))
فالخلف لهم الجنة ، والذين ينفقون أرواحهم فى سبيل الله فالخلف عنهم الحقّ سبحانه ، وشتان بين خلف من أنفق ماله فوجد مثوبته ، ومن أنفق حاله فوجد قربته ؛ فإنفاق المال فى سبيله بالصدقة ، وإنفاق الأحوال فى سبيله بملازمة الصدق ، وبنفي كل حظ ونصيب ، فترضى لجريان حكمه عليك من غير تعبيس القلب ، قال قائلهم :
أريد وصاله ويريد هجرى |
|
فأترك ما أريد لما يريد |
والإنفاق على ضربين : إنفاق العابدين وإنفاق الواجدين. أمّا العابدون فاذا أنفقوا حبّة ضاعف لهم سبعين إلى ما ليس فيه حساب ، وأما الواجدون فكما قيل :
فلا حسن نأتى به يقبلونه |
|
ولا إن أسأنا كان عندهم محو |
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢))
المنّ شهود ما تفعله ، والأذى تذكيرك ـ لمن أحسنت إليه ـ إحسانك.