القرار من العبد حتى يصل إلى الله ؛ فصاحب الإرادة لا يهدأ (١) ليلا ولا نهارا ، ولا يجد من دون وصوله إليه ـ سبحانه ـ سكونا ولا قرارا ، كما قال قائلهم :
ثم قطعت الليل فى مهمه |
|
لا أسدا أخشى ولا ذيبا |
يغلبنى شوقى فأطوى السّرى |
|
ولم يزل ذو الشوق مغلوبا |
ويقال تقيّدت دعوتهم بالغداة والعشىّ لأنها من الأعمال الظاهرة ، والأعمال الظاهرة مؤقتة ، ودامت إرادتهم فاستغرقت جميع أوقاتهم لأنها من الأحوال الباطنة ، والأحوال الباطنة مسرمدة غير مؤقتة ، فقال : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) ثم قال : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي مريدين وجهه فهى فى موضع الحال (٢).
ويقال أصبحوا ولا سؤال لهم من دنياهم ، ولا مطالبة من عقباهم ، ولا همّ سوى حديث مولاهم ، فلما تجردوا لله تمحضت عناية الحق لهم ، فتولّى حديثهم وقال : ولا تطردهم ـ يا محمد ـ ثم قال : ما عليك من حسابهم من شىء ؛ فالفقير خفيف الظهر لا يكون منه على أحد كثير مئونة ؛ قال تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ). لا تطالب بحسابهم ولا يطالبون بحسابك ، بل كلّ يتولى الحقّ ـ سبحانه ـ حسابه ؛ فإن كان أمره خيرا فهو ملاقيه ، وإن كان شرا فهو مقاسيه.
قوله جل ذكره : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))
أمّا الفاضل فليشكر ، وأمّا المفضول فليصبر.
ويقال سبيل المفضول على لسان المحبة الشكر ، ولا يتقاصر شكره عن شكر الفاضل ، قال قائلهم فى معناه :
أتانى منك سبّك لى فسبّي |
|
أليس جرى بفيك اسمى؟ فحسبي |
__________________
(١) وردت (ولا يهدى) والصواب أن تكتب (ولا يهدأ) منعا للبس.
(٢) أي إن الجملة الفعلية (يريدون وجهه) تعرب حالا