قوله جل ذكره : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)
يعنى خاطبهم بلسان الحجة والتزام الدلائل ونفى الشبهة ، ولا تكلّمهم على موجب نوازع النّفس والعادة ، فيحملهم ذلك على ترك الإجلال لذكر الله.
ويقال لا تطابقهم على قبيح ما يفعلون فيزدادوا جرأة فى غيّهم ، فسيكون فعلك سببا وعلّة لزيادة كفرهم وفسقهم.
قوله جل ذكره : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)
لبّسنا عليهم حقائق الأشياء حتى ظنوا القبيح جميلا ، ولم يروا لسوء حالتهم تبديلا ، فركنوا إلى الهوى ، ولم يميزوا بين العوافي والبلا.
قوله جل ذكره : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩))
وعدوا من أنفسهم الإيمان لو شاهدوا البرهان ، ولم يعلموا أنهم تحت قهر الحكم ، وما يغنى وضوح الأدلة لمن لا تساعده سوابق الرحمة ، ولواحق الحفظ بموجبات القسمة.
قوله جل ذكره : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))
العجب ممن تبقى على قلبه شبهة فى مسألة القدر (١) ، والحقّ ـ سبحانه ـ يقول :
__________________
(١) يشير القشيري بذلك إلى القدرية الذين يقولون بخلق الأفعال ، فسموا قدرية من قبيل تسمية الشيء بضده ، بينما سمى خصومهم بالجبرية.
ويوصف القدرية بانهم مجوس هذه الأمة ، لأنه كما أن أتباع زرادشت يعارضون خالق الخير بمبدإ ثان هو علة الشر كذلك هم ـ أي القدرية ـ يخرجون أعمال الإنسان السيئة من دائرة خلق الله ، فالله ليس هو الذي يخلق المعصية بل إرادة الإنسان المستقلة.