حقيقة الإيمان التصديق ثم التحقيق ، وموجب الأمرين التوفيق. والتصديق بالعقل والتحقيق ببذل الجهد ، فى حفظ العهد ، ومراعاة الحد. فالمؤمنون هم الذين صدّقوا باعتقادهم ثم الذين صدقوا فى اجتهادهم.
وأمّا الغيب فما يعلمه (١) العبد مما خرج عن حد الاضطرار ؛ فكل أمر دينى أدركه العبد بضرب استدلال ، ونوع فكر واستشهاد فالإيمان به غيبيّ. فالرب سبحانه وتعالى غيب. وما أخبر الحق عنه من الحشر والنشر ، والثواب والمآب ، والحساب والعذاب ـ غيب.
وقيل إنما يؤمن بالغيب من كان معه سراج الغيب ، وأن من أيّدوا ببرهان العقول آمنوا بدلالة العلم وإشارة اليقين ، فأوردهم صدق الاستدلال ساحات الاستبصار ، وأوصلهم صائب الاستشهاد إلى مراتب السكون ؛ فإيمانهم بالغيب بمزاحمة علومهم دواعى الريب. ومن كوشف بأنواع التعريف أسبل عليهم سجوف الأنوار ، فأغناهم بلوائح البيان عن كل فكر وروية ، وطلب بخواطر ذكية ، وردّ وردع لدواع ردية ، فطلعت شموس أسرارهم فاستغنوا عن مصابيح استدلالهم ، وفى معناه أنشدوا :
ليلى من وجهك شمس الضحى |
|
وظلامه فى الناس سارى |
والناس فى سدف الظلا |
|
م ونحن فى ضوء النهار |
وأنشدوا :
طلعت شمس من أحبّك ليلا |
|
فاستضاءت ومالها من غروب |
إن شمس النهار تغرب بالليل |
|
وشمس القلوب ليست تغيب (٢) |
ومن آمن بالغيب بشهود الغيب غاب فى شهود الغيب فصار غيبا يغيب.
وأمّا إقامة الصلاة فالقيام بأركانها وسننها ثم الغيبة (٣) عن شهودها برؤية من يصلّى له (٤)
__________________
(١) وردت (يعمله) والأرجح أن تكون (يعلمه) حتى تتلاءم مع طبيعة الغيب.
(٢) وردت (مما لها) ، (وتغيب بالليل) ، (ليت تغيب) وقد صححنا ذلك بما يتلاءم مع الوزن والمعنى
(٣) وردت (ثم الغيت) وهى خطأ من الناسخ والأصح (الغيبة) كما سنجد فى الهامش التالي.
(٤) القشيري هنا متأثر بفكرة الواسطي حينما دخل نيسابور وسأل أصحاب أبى عثمان : بماذا كان يأمركم شيخكم؟ فقالوا : كان يأمرنا بالتزام الطاعات ورؤية التقصير فيها. فقال «.... هلا أمركم بالغيبة عنها برؤية منشئها ومجريها» الرسالة ص ٣٤.