اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤))
قيل أراه إياهم فى نومه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بوصف القلّة ، وأخبر أصحابه بذلك فازدادوا جسارة عليهم.
وقيل أراه فى منامه أي فى محل نومه أي فى عينيه ، فمعناه قلّلهم فى عينيه ؛ لأنهم لو استكثروهم لفشلوا فى قتالهم ، ولانكسرت بذلك قلوب المسلمين.
وفى الجملة أراد الله جريان ما حصل بينهم من القتال يوم بدر ، وإنّ الله إذا أراد أمرا هيّأ أسبابه ؛ فقلّل الكفار فى أعين المسلمين فزادوا جسارة ، وقلّل المسلمين فى أعين الكفار فازدادوا ـ عند نشاطهم إلى القتال ـ صغرا فى حكم الله وخسارة.
والله (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) : وكيف لا؟ ومنه تصدر المقادير ، وإليه ترجع الأمور.
ويقال إذا أراد الله نصرة عبد فلو كاد له جميع البشر ، وأراده الكافة بكل ضرر ، لا ينفع من شاء مضرّته كدّ ، ويحصل بينه (١) وبين متاح لطفه به سدّ.
وإذا أراد بعبد سوءا فليس له ردّ ، ولا ينفعه كدّ ، ولا ينعشه بعد ما سقط فى حكمه جهد.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥))
أراد إذا لقيتم فئة من المشركين فاثبتوا. والثبات إنما يكون بقوة القلب وشدة اليقين ، ولا يكون ذلك إلا لنفاذ البصيرة ، والتحقق بالله ، وشهود الحادثات كلها منه ، فعند ذلك يستسلم لله ، ويرضى بحكمه ، ويتوقع منه حسن الإعانة ، ولهذا أحالهم على الذكر فقال : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً).
ويقال إنّ جميع الخيرات فى ثبات القلب ، وبه تبين أقدار الرجال ، فإذا ورد على الإنسان خاطر يزعجه أو هاجس فى نفسه يهيجه .. فمن كان صاحب بصيرة توقف ريثما
__________________
(١) الضمير فى (بينه) يعود على الضرر أو من شاء الضرر ، والضمير في (به) يعود على العبد المنصور.