«وأظننى لم آل جهدا فى إحكام أصول هذا العلم ، على حسب ما يليق بزماننا هذا ، وتسعه سنوّ عمرى ـ على قلّة أعدادها ـ فقد وفّق الله تعالى ، وله الحمد ـ حتى اقتبست كلّ ما احتجت إليه فى هذا الباب من مظانّه ، وأخذته من معادنه.
أما «اللغة» فقد درستها على الشيخ : «أبى الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله ابن يوسف العروضى (٣٣٤ ـ ٤١٦ ه)».
وكان قد خنق التسعين فى خدمة الأدب ، وأدرك المشايخ الكبار ؛ وقرأ عليهم ، وروى عنهم ، ك «أبى منصور الأزهرى ، محمد بن أحمد (المتوفى سنة ٣٧٠ ه) ، روى عنه كتاب «التهذيب» وغيره من الكتب ؛ وأدرك «أبا العباس العامرى» ، و «أبا القاسم الأسدىّ» ، و «أبا نصر طاهر بن محمد الوزيرىّ» و «أبا الحسن الرّخّجىّ». وهؤلاء كانوا فرسان البلاغة ، وأئمة اللغة ؛ وسمع «أبا العباس الأصم» وروى عنه ، واستخلفه الأستاذ : «أبو بكر الخوارزمى (المتوفى سنة ٣٨٣ ه)» على درسه عند غيبته ، وله المصنّفات الكبار ، والاستدراكات على الفحول من العلماء باللغة والنحو.
وكنت قد لازمته سنين : أدخل عليه عند طلوع الشمس ، وأخرج لغروبها ، أسمع ، وأقرأ ، وأعلّق ، وأحفظ ، وأبحث ، وأذاكر أصحابه ما بين طرفى النهار.
وقرأت عليه الكثير من الدواوين ، وكتب اللغة ، حتى عاتبنى شيخى ـ رحمهالله ـ يوما [من الأيام] ، وقال : إنك لم تبق ديوانا من الشعر إلّا قضيت حقّه.
أما آن لك أن تتفرّغ لتفسير كتاب الله العزيز تقرؤه على هذا الرجل ، الذى يأتيه البعداء من أقاصى البلاد ، وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار؟!
ـ يعنى : «الأستاذ الإمام : أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبى ـ رحمهالله. ؛ فقلت : يا أبت إنما أتدرّج بهذا إلى ذلك الذى تريد ، وإذا لم أحكم الأدب بجدّ وتعب لم أرم فى غرض التفسير عن كثب ؛ ثم لم أغبّ زيارته فى يوم من الأيام حتى حال بيننا قدر الحمام.