وأمّا «النّحو» فإنّى لمّا كنت فى ميعة صباى ، وشرخ شبيبتى ، وقعت إلى الشيخ «أبى الحسن علىّ بن محمد بن إبراهيم الضرير» رحمهالله.
وكان من أبرع أهل زمانه فى لطائف النحو وغوامضه ، وأعلمهم بمضايق طرق العربية ودقائقها ، ولعلّه تفرّس فىّ وتوسّم [أثر] الخير لدىّ ، فتجرّد لتخريجى ، وصرف وكده إلى تأديبى ، ولم يدّخر عنّى شيئا من مكنون ما عنده ، حتى استأثرنى بأفلاذه ، وسعدت به أفضل ما سعد تلميذ بأستاذه ، وقرأت عليه : جوامع النحو ، والتصريف ، والمعانى ؛ وعلّقت عنه قريبا من مائة فى المسائل المشكلة ؛ وسمعت منه أكثر مصنّفاته فى النحو ، والعروض ، والعلل ؛ وخصّنى بكتابه الكبير فى علل القراءات ، المرتّبة فى كتاب الغاية لابن «مهران» رحمهالله.
ثم ورد علينا الشيخ الإمام : «أبو الحسن : عمران بن موسى المغربى المالكى» ، [(المتوفى سنة ٤٣٠ ه)] ؛ وكان واحد دهره ، وباقعة عصره ، فى علم النحو ؛ لم يلحق أحد ممن سمعناه شأوه فى معرفة الإعراب ؛ ولقد صحبته مدّة فى مقامه عندنا حتى استنزفت غرر ما عنده.
وأمّا «القرآن ، وقراءات أهل الأمصار ، واختيارات الأئمة» فإنى اختلفت إلى الأستاذ «أبى القاسم : على بن أحمد البستى» ـ رحمهالله ـ وقرأت عليه القرآن ختمات كثيرة لا تحصى ، حتى قرأت عليه أكثر طريقة الأستاذ : «أبى بكر أحمد بن الحسين ابن مهران» رحمهالله.
ثم ذهبت إلى الإمامين : «أبى عثمان : سعيد بن محمد الحيرى ، [(المتوفى سنة ٤٢٧ ه)] و «أبى الحسن : على بن محمد الفارسى [(المتوفى سنة ٤٣١ ه)] ـ رحمهماالله ـ.
وكانا قد انتهت إليهما الرئاسة فى هذا العلم ، وأشير إليهما بالأصابع فى علوّ السّنّ ورؤية المشايخ ، وكثرة التلاميذ ، وغزارة العلوم ، وارتفاع الأسانيد ، والوثوق فيها ؛ فقرأت عليهما ، وأخذت من كل واحد منهما حظّا وافرا ؛ بعون الله ، وحسن توفيقه.