١٣ ـ قوله : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ)(١).
يخاطب الّذين ذكرهم فى قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا.)
وأراد ب «الآية» : علامة تدلّ على صدق محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
(فِي فِئَتَيْنِ) يعنى رسول الله وأصحابه يوم بدر (٢) ، ومشركى مكّة ـ حين خرجوا لقتاله ـ (الْتَقَتا) : اجتمعتا (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) : وهم المؤمنون (وَأُخْرى كافِرَةٌ) يعنى المشركين (يَرَوْنَهُمْ) ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة (مِثْلَيْهِمْ) ـ وهم كانوا ثلاثة أمثالهم ـ ولكنّ الله أرى المسلمين أنّ المشركين لا يزيدون على مثليهم ؛ وذلك أنّ الله تعالى كان قد أعلم المسلمين أنّ المائة منهم تغلب المائتين من الكفّار ؛ فأراهم المشركين على قدر ما أعلمهم أنّهم يغلبونهم ؛ ليقوّى قلوبهم (٣).
ومن قرأ : (تَرَوْنَهُمْ) بالتّاء (٤) ؛ فلأنّ ما قبله خطاب لليهود.
والمعنى : ترون أيّها اليهود المشركين ضعفى المؤمنين ـ على ما ذكرنا من تقليل الله المشركين فى الأعين.
قوله : (رَأْيَ الْعَيْنِ).
يجوز أن يكون مصدرا ، يقال : رأيته رأيا ورؤية ، ويجوز أن يكون ظرفا (٥) للمكان ، كما تقول : ترونهم أمامكم.
__________________
(١) حاشية ج : «ثم خاطب كفار قريش مشيرا إلى وقعة بدر ، ولم : قد كانت والآية مؤنثة لأنه رد إلى البيان ؛ أى قد كان لكم بيان ، فذهب إلى المعنى.
قال الفراء : إنما ذكّره لأنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث فذكّر الفعل. وكلّ ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه». انظر (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤ ـ ٢٥).
(٢) بدر ـ بالفتح ثم بالسكون ـ : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادى الصفراء ، وبهذا الماء كانت الواقعة المشهورة التى أظهر الله بها الإسلام ، وفرق بين الحق والباطل ، فى شهر رمضان سنة اثنتين للهجرة : (معجم البلدان ١ : ٣٥٧).
(٣) (معانى القرآن للزجاج ١ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤) وفيه بعد ذلك : «وأرى المشركين المسلمين أقل من عدد المسلمين ، ثم ألقى مع ذلك فى قلوبهم الرعب ، فجعلوا يرون عددا قليلا مع رعب شديد.
والدليل على صحة هذا القول : قول الله عزوجل : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) [سورة الأنفال : ٤٤] ؛ فهذا هو الذى فيه آية أن يرى الشىء بخلاف صورته ، والله أعلم.
(٤) وهذه قراءة نافع وأبان عن عاصم ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى ، وكذا خلف بالغيب [بالياء] ، ووافقهم ابن محيصن واليزيدى والأعمش : (إتحاف الفضلاء ١٧١) و (السبعة فى القراءات ٢٠١ ـ ٢٠٢) و (معانى القرآن للفراء ١ : ١٩٤) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٥) و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٢٨).
(٥) حاشية ج : «أى فى مرأى العين ، أى من حيث تقع عليه العين».