قال ابن عبّاس : يريد مصدّقا بعيسى أنّه روح الله وكلمته.
وسمّى عيسى كلمة الله ؛ لأنّه حدث عند قوله (كُنْ*) فوقع عليه اسم الكلمة ، لأنّه بها كان ـ وكان يحيى أوّل من آمن بعيسى وصدّقه (١).
قوله : (وَسَيِّداً)
قال الضّحّاك والرّبيع والسّدّىّ : «السّيّد» : الحليم. وقال أبو صالح وسعيد ابن جبير : «السّيّد» : التّقىّ. وقال عكرمة : «السّيّد» : الّذى لا يغلبه غضبه (٢). وقال الزّجاج : «السّيّد» : الّذى يفوق فى الخير قومه (٣)
وقوله : (وَحَصُوراً) وهو الّذى لا يأتى النّساء ولا يقربهنّ (٤).
قال ابن قتيبة : هو فعول بمعنى مفعول ، كأنّه محصور عنهنّ ؛ أى مأخوذ محبوس. ويجوز أن يكون بمعنى فاعل ، كأنّه حصر نفسه عن الشّهوات (٥).
([وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ])(٦)
٤٠ ـ قوله : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ)
لمّا بشّر زكريّا بالولد على كبر سنّه استخبر الله تعالى عن ذلك فقال : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ؟)(٧).
: أى على أىّ حال يكون ذلك؟ أتردّنى إلى حال الشّباب ، وامرأتى أمّ مع حال الكبر؟! (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) وهو مصدر كبر الرجل ؛ إذا أسنّ.
__________________
(١) حاشية ج : «ولهذا قال : مصدقا بعيسى». وكذا الضحاك وقتادة والربيع بن أنس : (تفسير الطبرى ٣ : ٢٥٢) و (الدر المنثور ٢ : ٢١) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٦) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٣٠) و (معانى القرآن للنحاس ٣٩٠).
(٢) راجع هذه الأقوال فى (تفسير الطبرى ٣ : ٢٥٤ ـ ٢٥٦) و (تفسير ابن كثير ٢ : ٣٠) و (الدر المنثور ٢ : ٢١) و (تفسير القرطبى ٤ : ٧٧) و (اللسان ـ مادة : سود).
(٣) (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤١٠) وهو فى (تفسير القرطبى ٤ : ٧٧).
(٤) لا لعجز بل للعفة والزهد» : (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٦٤) وهو الأظهر والأصح فى الآية ، لأنه بذلك يستحق المحمدة. انظر (تفسير ابن كثير ٢ : ٣١) وما فيه عن القاضى عياض ، و (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٥) و (اللسان ـ مادة : حصر) و (مفردات الراغب ١٢٠).
(٥) انظر (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٥) و (اللسان ـ مادة : حصر).
(٦) قال الزجاج : الصالح : الذى يؤدى لله ما افترض عليه ، وإلى الناس حقوقهم (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤١١) ، و (تفسير القرطبى ٤ : ٧٩).
(٧) حاشية ج : نوجزها فيما يأتى ؛ فإن قيل : لم قال زكريا ـ بعد ما وعده الله تعالى ـ : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ)؟ أكان شاكا فى وعد الله وقدرته؟
قيل : فى الجواب : إنه لم يشك فى وعد الله ، إنما شك فى كيفيته ؛ أى كيف ذلك؟ أتجعلني وامرأتى شابين؟ أم ترزقنا ولدا على الكبر؟ أم ترزقنى امرأة أخرى؟ فقال مستفهما لا شاكا.