قال القتيبىّ : وأصله أنّ المطالب بالشّىء يقوم فيه ويتصرّف ، والتّارك له يقعد عنه ، ثم قيل : لكلّ من واظب على مطالبة أمر قام به ، وإن لم يكن ثمّ قيام (١).
وقال السّدّى : يعنى إلّا ما دمت قائما على رأسه بالاجتماع معه والملازمة له ، فإن أنظرته وأخّرته أنكر وذهب به (٢).
وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)
: أى ذلك الاستحلال والخيانة : بأنّهم قالوا : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل ؛ (٣) لأنّهم مشركون.
والمراد ب (الْأُمِّيِّينَ) ـ هاهنا : العرب (٤).
ثم كذّبهم الله تعالى فيما قالوا ، فقال الله تعالى :
(وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) لأنّه ليس فى كتابهم استحلال الأمانة ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّهم يكذبون ، يعنى (لم يقولوا) (٥) ذلك عن جهالة فيعذروا.
٧٦ ـ قوله : (بَلى) ردّ لقولهم (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)
: أى بلى يكون عليهم سبيل فى ذلك (٦).
وقوله : (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ)
: أى بما عاهد الله إليه فى التّوراة ، من الإيمان بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، والقرآن ، وأداء الأمانة (وَاتَّقى) الكفر والخيانة ، ونقض العهد (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعنى : من كان هذه صفته.
٧٧ ـ قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ ..) الآية.
نزلت فى رجلين اختصما إلى النّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى ضيعة ، فهمّ
__________________
(١) انظر (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٦) و (تأويل مشكل القرآن ١٣٨) و (البحر المحيط ٢ : ٥٠٠).
(٢) (الدر المنثور ٢ : ٤٤) و (البحر المحيط ٢ : ٥٠٠) وانظره مفصلا فى (تفسير ابن كثير ٢ : ٤٩).
(٣) حاشية ج : «أى سبيل فى مال العرب : إثم وحرج ، كقوله تعالى : ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [سورة التوبة : ٩١] ؛ وذلك أن اليهود قالوا : أموال العرب حلال لنا ؛ لأنهم ليسوا على ديننا ، ولا حرمة لهم فى كتابنا ، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم فى دينهم» وبنحوه فى (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٦ ـ ١٠٧) و (اللسان ـ مادة : سبل) و (البحر المحيط ٢ : ٥٠٠).
(٤) (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٢٤) و (معانى القرآن للنحاس ١ : ٤٢٥) و (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٧) و (البحر المحيط ٢ : ٥٠٠).
(٥) ب : «لم يقولون».
(٦) «لفظة (بَلى) رد لكلام سابق ؛ أى ليس الأمر كما زعموا بل عليهم إثم وتبعة فى أكلهم أموال الأميين ..» (تفسير الطبرى ٣ : ٣٢٠).