والموادّ التي صنعها الخيال واقتضتها الأحوال التي مرّت بها تلك الأمّة(١).
ومن هذا القبيل التاريخ المأثور عن العرب قبل الإسلام ، ولاسيّما التاريخ المنقول بالسّماع والرواية شعراً أو نثراً لشبه الجزيرة العربية في عهد ماقبل الإسلام ، ويستثنى من ذلك من ترك منهم البداوة ونزل حواضر الجزيرةولاسيّما أهل اليمن والحيرة ، فقد نقش الأوّلون بالخطّ المسند على مبانيهم من أخبار ملوكهم وشؤونهم العامّة ، ودوّن الآخرون بخطّهم أخبار مملكتهم وأودعوها أديرة الحيرة وكنائسها(٢).
فلمّا ظهر الإسلام وقامت الدولة الإسلامية ومسّت الحاجة إلى معرفة سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) واستقصاء السنة توافر رجال على جمع أخبار السيرة وتدوينها ، فكان ذلك بدء انشغال العرب بالتاريخ ، ولما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) هو خاتم الأنبياء والمرسلين كان من الطبيعي لمعرفة تاريخ الرسالة وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) ودراسة أحوال الرسل والأنبياء الذين جاؤوا قبله ونوع رسالتهم والأقوام الذين اتّبعوا الرسالة أو رفضوها أن يتوسّع مجال التاريخ ، وبذلك أصبحت هذه الدراسة مقدّمة لدراسة تاريخ الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة أو (السيرة) والذي قيل عنها : (المبتدأ) أو (المبدأ) ، التي تبدأ بتاريخ آدم عليهالسلام ثمّ تستمرّ إلى أن تصل إلى السيرة التي تبتدئ بالنسب ونسب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ صار يلحق بالسيرة قسم آخر يمكن أن يقال له : (المغازي) ، وقد استعمل هذاالأسلوب من قبل المؤرّخين الأوائل(٣).
وقد دلّ الربط بين السيرة والتاريخ على تطوّر مهمّ في الفكرة
__________________
(١) موارد تاريخ الطبري١/١١٤.
(٢) مقدّمة ابن خلدون : ٣٧٥.
(٣) المغازي الأولى ومؤلّفوها ، المقدّمة.